وقوله :﴿ اذْكُرْنِي عِندَ رَبِّكَ ﴾، مثل قوله لربه :﴿ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَآئِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ ﴾ [ يوسف : ٥٥ ]، فلما سأل الولاية للمصلحة الدينية لم يكن هذا مناقضًا للتوكل، ولا هو من سؤال الإمارة المنهى عنه، فكيف يكون قوله للفتى :﴿ اذْكُرْنِي عِندَ رَبِّكَ ﴾ مناقضًا لِلتَّوَكُّل وليس فيه إلا مجرد إخبار الملك به؛ ليعلم حاله ليتبين الحق، ويوسف كان من أثبت الناس.
ولهذا بعد أن طلب :﴿ وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ ﴾، قال :﴿ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللاَّتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ ﴾ [ يوسف : ٥٠ ]، فيوسف يذكر ربه فى هذه الحال، كما ذكره فى تلك، ويقول :﴿ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ ﴾ فلم يكن فى قوله له :﴿ اذْكُرْنِي عِندَ رَبِّكَ ﴾ ترك لواجب، ولا فعل لمحرم، حتى يعاقبه الله على ذلك بلبثه فى السجن بضع سنين، وكان القوم قد عزموا على حبسه إلى حين قبل هذا ظلمًا له، مع علمهم ببراءته من الذنب.
قال الله تعالى :﴿ ثُمَّ بَدَا لَهُم مِّن بَعْدِ مَا رَأَوُاْ الآيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ ﴾ [ يوسف : ٣٥ ]، ولبثه فى السجن كان كرامة من الله فى حقه؛ ليتم بذلك صبره وتقواه، فإنه بالصبر والتقوى نال ما نال؛ ولهذا قال :﴿ أَنَاْ يُوسُفُ وَهَذَا أَخِي قَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَيْنَا إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَيِصْبِرْ فَإِنَّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [ يوسف : ٩٠ ]، ولو لم يصبر ويتق، بل أطاعهم فيما طلبوا منه جزعًا من السجن، لم يحصل له هذا الصبر والتقوى، وفاته الأفضل باتفاق الناس.
لكن تنازع العلماء، هل يمكن الإكراه على الفاحشة ؟ على قولين :
قيل : لا يمكن، كقول أحمد بن حنبل وأبى حنيفة وغيرهما، قالوا : لأن الإكراه يمنع الانتشار.