والثانى : يمكن، وهو قول مالك والشافعى، وابن عقيل، وغيره من أصحاب أحمد؛ لأن الإكراه لا ينافى الانتشار، فإن الإكراه لا ينافى كون الفعل اختيارًا، بل المكره يختار دفع أعظم الشَرَّيْنِ بالتزام / أدناهما. وأيضًا، فالانتشار بلا فعل منه، بل قد يُقَيَّد ويُضْجَع فتباشره المرأة فتنتشر شهوته فتستدخل ذَكَرَهَ.
فعلى قول الأولين : لم يكن يحل له ما طلبت منه بحال، وعلى القول الثانى : فقد يقال : الحبس ليس بإكراه يبيح الزنا، بخلاف ما لو غلب على ظنه أنهم يقتلونه أو يَتْلِفُون بعض أعضائه، فالنزاع إنما هو فى هذا، وهم لم يبلغوا به إلى هذا الحد، وإن قيل : كان يجوز له ذلك لأجل الإكراه لكن يفوته الأفضل.
وأيضًا، فالإكراه إنما يحصل أول مرة ثم يباشر، وتبقى له شهوة وإرادة فى الفاحشة.
ومن قال : الزنا لا يتصور فيه الإكراه، يقول : فرق بين ما لا فعل له ـ كالمقيد ـ وبين من له فعل، كما أن المرأة إذا أُضْجِعَتْ وَقُيِّدَتْ حتى فُعِلَ بها الفاحشة لم تأثم بالاتفاق، وإن أُكْرِهَتْ حتى زنت ففيه قولان : هما روايتان عن أحمد، لكن الجمهور يقولون : لا تأثم، وقد دل على ذلك قوله تعالى :﴿ وَمَن يُكْرِههُّنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِن بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴾ [ النور : ٣٣ ]، وهؤلاء يقولون : فعل المرأة لا يحتاج إلى انتشار، فإنما هو كالإكراه على شرب الخمر، بخلاف فعل الرجل، وبسط هذا له موضع آخر.
والمقصود أن يوسف لم يفعل ذنبًا ذكره الله عنه، وهو ـ سبحانه ـ لا يذكر عن أحد من الأنبياء ذنبًا إلا ذكر استغفاره منه، ولم يذكر عن يوسف استغفارًا من هذه الكلمة، كما لم يذكر عنه استغفارًا من مقدمات الفاحشة، فعلم أنه لم يفعل ذنبًا فى هذا ولا هذا، بل هَمَّ هما تركه لله، فَأُثِيْبَ عليه حسنة، كما قد بُسِطَ هذا فى موضعه.


الصفحة التالية
Icon