وأما ما يكفره الابتلاء من السيئات، فذلك جُوْزِىَ به صاحبه بالمصائب المكفرة، كما فى قوله ﷺ :( ما يُصيِبُ المؤمن من وَصَبٍ ولا نَصَبٍ، ولا هَمٍّ ولا حزن، ولا غَمٍّ ولا أذى، إلا كَفَّر الله به خطاياه )، ولما أنزل الله تعالى هذه الآية :﴿ مَن يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ ﴾ [ النساء : ١٢٣ ]، قال أبو بكر : يا رسول الله، جاءت قاصمة الظهر، وَأَىُّنَا لم يعمل سوءًا ؟ فقال :( ألست تحزن ؟ ألست تنصب ؟ ألست تُصِيبك اللأوى ؟ فذلك مما تجزون به ) [ واللأواء : الشدة وضيق المعيشة ].
فتبين أن قوله :﴿ فَأَنسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ ﴾، أى : نسى الفتى ذكر ربه أن يذكر هذا لربه، ونسى ذكر يوسف ربه، والمصدر يضاف إلى الفاعل والمفعول، ويوسف قد ذكر ربه، ونسى الفتى ذكر يوسف ربه، وأنساه الشيطان أن يذكر ربه هذا الذكر الخاص، فإنه وإن كان يسقى ربه خمرًا، فقد لا يخطر هذا الذكر بقلبه، وأنساه / الشيطان تذكير ربه، وإذكار ربه لما قال :﴿ اذْكُرْنِي ﴾، أمره بإذكار ربه، فأنساه الشيطان إذكار ربه، فإذكار ربه أن يجعله ذاكرًا، فأنساه الشيطان أن يجعل ربه ذاكرا ليوسف، والذكر هو مصدر، وهو اسم، فقد يضاف من جهة كونه اسمًا، فيعم هذا كله، أى : أنساه الذكر المتعلق بربه، والمضاف إليه.
ومما يبين أن الذى نسى ربه هو الفتى لا يوسف قوله بعد ذلك :﴿ وَقَالَ الَّذِي نَجَا مِنْهُمَا وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ أَنَاْ أُنَبِّئُكُم بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ ﴾ [ يوسف : ٤٥ ]، وقوله :﴿ وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ ﴾، دليل على أنه كان قد نسى فادكر.