وقوله :﴿ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ ﴾ بصيغة جمع التذكير، وقوله :﴿ كَيْدَهُنَّ ﴾ بصيغة جمع التأنيث، ولم يقل : مما يدعيننى إليه، دليل على الفرق بين هذا وهذا، وأنه كان من الذكور من يدعوه مع النساء إلى الفاحشة بالمرأة، وليس هناك إلا زوجها، وذلك أن زوجها كان قليل الغيرة، أو عديمها، وكان يحب امرأته ويطيعها؛ ولهذا لما اطَّلَعَ على مراودتها قال :﴿ يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا وَاسْتَغْفِرِي لِذَنبِكِ إِنَّكِ كُنتِ مِنَ الْخَاطِئِينَ ﴾ [ يوسف : ٢٩ ]، فلم يعاقبها، ولم يفرق بينها وبين يوسف، حتى لا تتمكن من مراودته، وأمر يوسف ألا يذكر ما جرى لأحد محبة منه لامرأته، ولو كان فيه غِيْرَة لعاقب المرأة.
ومع هذا، فشاعت القصة واطَّلَعَ عليها الناس من غير جهة يوسف، حتى تحدثت بها النسوة فى المدينة، وذكروا أنها تراود فتاها عن نفسه، ومع هذا : فـ ﴿ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِّنْهُنَّ سِكِّينًا ﴾ [ يوسف : ٣١ ]، وأمرت يوسف أن يخرج عليهن؛ ليقمن عذرها على مراودته، وهى تقول لهن :﴿ فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ وَلَقَدْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ فَاسَتَعْصَمَ وَلَئِن لَّمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونًا مِّنَ الصَّاغِرِينَ ﴾ [ يوسف : ٢٣ ].
وهذا يدل على أنها لم تزل متمكنة من مراودته، والخلوة به، مع علم الزوج بما جرى، وهذا من أعظم الدِّياثة [ الدياثة : الرجل الذى لا غيرة له على أهله ]، ثم إنه لما حُبِسَ فإنما حبس بأمرها، والمرأة لا تتمكن من حبسه إلا بأمر الزوج، فالزوج هو الذى حبسه. وقد روى أنها قالت : هذا القِبْطِىُّ هتك عرضى فحبسه، وحبسه لأجل المرأة معاونة لها على مطلبها لِديَاثَتِهِ، وقلة غيرته، فدخل هو فى من دعا يوسف إلى الفاحشة.


الصفحة التالية
Icon