ولهذا لو أذن له الصبى أو السفيه فى أخذ ماله لم يكن له ذلك، ومن أذن لغيره فى تَكْفِيرهِ أو تَجْنِيِنه أو تَخْنِيثِهِ والإفحاش به وبأهله، فهو من أَسْفه السفهاء، وهذا مثل الربا، فإنه وإن رضى به المرابى وهو بالغ رشيد لم يبح ذلك؛لما فيه من ظلمه؛ ولهذا له أن يطالبه بما قبض منه من الزيادة، ولا يعطيه إلا رأس ماله، وإن كان قد بذله باختياره، ولو كان التحريم لمجرد حق الله ـ تعالى ـ لسقط برضاه، ولو كان حقه إذا أسقطه سقط لما كان له الرجوع فى الزيادة، والإنسان يحرم عليه قتل نفسه أعظم مما يحرم عليه قتل غيره، فلو قال لغيره : اقتلنى لم يملك منه أعظم مما يملك هو من نفسه.
ولهذا يوم القيامة يتظلم من الأكابر، وهم لم يكرهوهم على الكفر، بل باختيارهم كفروا. قال تعالى :﴿ يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا ﴾ [ الأحزاب : ٦٦ ـ٦٨ ]، وقال :﴿ حَتَّى إِذَا ادَّارَكُواْ فِيهَا جَمِيعًا قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لأُولاَهُمْ رَبَّنَا هَؤُلاء أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ عَذَابًا ضِعْفًا مِّنَ النَّارِ قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَكِن لاَّ تَعْلَمُونَ ﴾ [ الأعراف : ٣٨ ]، وقال تعالى :﴿ وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا رَبَّنَا أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلَّانَا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ نَجْعَلْهُمَا تَحْتَ أَقْدَامِنَا لِيَكُونَا مِنَ الْأَسْفَلِينَ ﴾ [ فصلت : ٢٩ ].
وكذلك الناس يلعنون الشيطان، وإن كان لم يكرههم على الذنوب، / بل هم باختيارهم أذنبوا.


الصفحة التالية
Icon