فإن قيل : هؤلاء يقولون لشياطين الإنس والجن : نحن لم نكن نعلم أن فى هذا علينا ضررًا، ولكن أنتم زينتم لنا هذا وحَسَّنْتُمُوهُ حتى فعلناه، ونحن كنا جاهلين بالأمر. قيل : كما نعلم أن الجاهل بما عليه فى الفعل من الضرر لا عبرة برضاه وإذنه، وإنما يصح الرضاء والإذن ممن يعلم ما يأذن فيه ويرضى به، وما كان على الإنسان فيه ضرر راجع لا يرضى به إلا لعدم علمه، وإلا فالنفس تمتنع بذاتها من الضرر الراجع.
ولهذا كان من اشترى المعيب والمدلس والمجهول السعر ولم يعلم بحاله غير راض به، بل له الفسخ بعد ذلك؛ كذلك الكفر والجنون والفاحشة بالأهل، لا يرضى بها إلا من لم يعلم بما فيها من الضرر عليه، فإذا أذن فيها لم يسقط حقه، بل يكون مظلومًا، ولو قال : أنا أعلم ما فيها من العقاب وأرضى به كان كذبًا، بل هو من أجهل الناس بما يقوله.
ولهذا لو تكلم بكلام لا يفهم معناه، وقال : نويت موجبه عند الله، لم يصح ذلك فى أظهر القولين؛ مثل أن يقول :( بهشم ) ولا يعرف معناها، أو يقول : أنت طالق إن دخلت الدار وينوى موجبها / من العربية، وهو لا يعرف ذلك؛ فإن النية والقصد والرضا مشروط بالعلم، فما لم يعلمه لا يرضى به، إلا إذا كان راضيًا به مع العلم، ومن كان يرضى بأن يُكَفَّر ويُجَنَّ وتُفْعَل الفاحشة به وبأهله، فهو لا يعلم ما عليه فى ذلك من الضرر، بل هو سفيه، فلا عبرة برضاه وإذنه، بل له حق عند من ظلمه وفعل به ذلك غير ما لله من الحق، وإن كان حق هذا دون حق المنكر المانع.
ولهذا قال يوسف ـ عليه السلام ـ :﴿ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ ﴾ [ يوسف : ٢٣ ]، يقول : متى أفسدت امرأته كنت ظالمًا بكل حال، وليس هذا جزاء إحسانه إلى.