بل قدم الخوف من الخالق على الخوف من المخلوق، وإن آذاه بالحبس والكذب فإنها كذبت عليه؛ فزعمت أنه راودها ثم حبسته بعد ذلك.
وقد قيل : إنها قالت لزوجها : إنه هتك عرضى لم يمكنها أن تقول له : راودنى، فإن زوجها قد عرف القصة، بل كذبت عليه كذبة تروج على زوجها، وهو أنه قد هتك عرضها بإشاعة فعلها، وكانت كاذبة على يوسف لم يذكر عنها شىئًا، بل كذبت أولاً وآخرًا، كذبت عليه بأنه طلب الفاحشة، وكذبت عليه بأنه أشاعها، وهى التى طالبت وأشاعت، فإنها قالت للنسوة :﴿ فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ وَلَقَدْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ فَاسَتَعْصَمَ ﴾ [ يوسف : ٣٢ ]، فهذا غاية الإشاعة لفاحشتها لم تستر نفسها.
والنساء أعظم الناس إخبارًا بمثل ذلك، وهن قبل أن يَسْمَعْنَ قولها قد قُلْنَ فى المدينة :﴿ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَن نَّفْسِهِ ﴾ [ يوسف : ٣٠ ]، فكيف إذا اعترفت بذلك وطلبت رفع الملام عنها ؟
وقد قيل : إنهن أعنَّها فى المراودة، وعذلنه على الامتناع، ويدل على ذلك قوله :﴿ وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ ﴾ [ يوسف : ٣٣ ]، وقوله ﴿ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللاَّتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ ﴾ [ يوسف : ٥٠ ]، فدل على أن هناك كيدًا مَنْهُنَّ، وقد قال لَهُنَّ الملك :﴿ مَا خَطْبُكُنَّ إِذْ رَاوَدتُّنَّ يُوسُفَ عَن نَّفْسِهِ قُلْنَ حَاشَ لِلّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِن سُوءٍ قَالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ الآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَاْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ ﴾ [ يوسف : ٥١ ]، فهن لم يراودنه لأنفسهن، إذ كان ذلك غير ممكن، وهو عند المرأة فى بيتها وتحت حجرها، لكن قد يكنَّ أعنَّ المرأة على مطلوبها.