وكان كذب هؤلاء على النبي ﷺ أعظم من الكذب على يوسف؛ فإنهم قالوا : إنه ساحر، وإنه كاهن، وإنه مجنون، وإنه/مُفْتَر. وكل واحدة من هؤلاء أعظم من الزنا والقذف؛ لا سيما الزنا المستور الذي لا يدري به أحد. فإن يوسف كذب عليه في أنه زني، وأنه قذفها وأشاع عنها الفاحشة؛ فكان الكذب على النبي ﷺ أعظم من الكذب على يوسف.
وكذلك الكذب على أولي العزم، مثل نوح وموسي، حيث يقال عن الواحد منهم : إنه مجنون، وإنه كَذَّاب، يكذب على اللّه، وما لقي النبي ﷺ وأصحابه من أذى المشركين أعظم من مجرد الحبس، فإن يوسف حُبِسَ وسُكِت عنه، والنبي ﷺ وأصحابه كانوا يؤذون بالأقوال والأفعال مع منعهم من تصرفاتهم المعتادة.
وهذا معنى الحبس، فإنه ليس المقصود بالحبس سكناه في السجن، بل المراد منعه من التصرف المعتاد. والنبي ﷺ لم يكن له حبس، ولا لأبي بكر، بل أول من اتخذ السجن عمر، وكان النبي ﷺ يسَلِّمُ الغريم إلى غريمه، ويقول :( ما فعل أسيرك ؟ )، فيجعله أسيراً معه، حتى يقضيه حقه، وهذا هو المطلوب من الحبس.
والصحابة ـ رضي اللّه عنهم ـ منعوهم من التصرف بمكة أذى لهم، حتى خرج كثير منهم إلى أرض الحبشة، فاختاروا السكنى بين أولئك النصارى عند ملك عادل على السكنى بين قومهم، والباقون / أُخرجوا من ديارهم وأموالهم ـ أيضاً ـ مع ما آذوهم به، حتى قتلوا بعضهم، وكانوا يضربون بعضهم ويمنعون بعضهم ما يحتاج إليه، ويضعون الصخرة على بطن أحدهم في رَمْضَاء [ الرَّمْضَاء : الحجارة الحامية من حر الشمس ] مكة، إلى غير ذلك من أنواع الأذي.


الصفحة التالية
Icon