وكذلك المؤمن من أمة محمد ﷺ يختار الأذى في طاعة اللّه على الإكرام مع معصيته، كأحمد بن حنبل اختار القيد والحبس والضرب على موافقة السلطان وجنده، على أن يقول على اللّه غير الحق في كلامه، وعلى أن يقول ما لا يعلم ـ أيضاً ـ فإنهم كانوا يأتون بكلام يعرف أنه مخالف للكتاب والسنة، فهو باطل، وبكلام مجمل يحتاج إلى تفسير، فيقول لهم الإمام أحمد : ما أدري ما هذا ؟ فلم يوافقهم على أن يقول على اللّه غير الحق، ولا على أن يقول على اللّه ما لا يعلم.
( وقال شيخ الإسلام ـ رحمه الله ـ بعد كلام ) [ هكذا بالأصل ] [ ما بين المعقوفتين مستفاد من محقق التفسير الكبير لابن تيمية ؛ الدكتور عبد الرحمن عميرة ٥/٨٣، وفي النسخة التي حققها الدكتور محمد الجليند جاء النص هكذا :( قال شيخ الإسلام رحمه الله : ثم إن يوسف... ) انظر : ٣/٢٧٤. وقول ابن تيمية بعد ذلك بقليل :( الوجه السادس ) ينبئ بوجود سقط من الأصل ]
[ يهم أحدهم ] بالذنب فيذكر مقامه بين يدي اللّه فيدعه، فكان يوسف ممن خاف مقام ربه ونهي النفس عن الهوى.
ثم إن يوسف ـ عليه الصلاة والسلام ـ كان شابا عزبًا أسيرا في بلاد العدو، حيث لم يكن هناك أقارب أو أصدقاء، فيستحي منهم إذا فعل فاحشة، فإن كثيراً من الناس يمنعه من مواقعة القبائح حياؤه ممن يعرفه، فإذا تغرب فعل ما يشتهيه، وكان ـ أيضاً ـ خاليا لا يخاف مخلوقا، فحكم النفس الأمارة ـ لو كانت نفسه كذلك ـ أن يكون هو المتعرض لها، بل يكون هو المتحيل عليها، كما جرت به عادة كثير ممن له غرض في نساء الأكابر إن لم يتمكن من الدعوة ابتداء. فأما إذا دعي ولو كانت الداعية خدامة؛ لكان أسرع مجيب، فكيف إذا كانت الداعية سيدته الحاكمة عليه، التي يخاف الضرر بمخالفتها ؟ !


الصفحة التالية
Icon