فقول القائل : إن قوله :﴿ ذلك ﴾ من قول يوسف ـ مع أنه لم يتقدم منه هنا قول ولا عمل ـ لا يصح بحال.
الوجه السابع : أن المعنى على هذا التقدير ـ لو كان هنا ما يشار إليه من قول يوسف أو عمله ـ : إن عفتي عن الفاحشة كان ليعلم العزيز أني لم أخنه، ويوسف ـ عليه الصلاة والسلام ـ إنما تركها خوفا من اللّه، ورجاء لثوابه، ولعلمه بأن اللّه يراه؛ لا لأجل مجرد علم مخلوق. قال اللّه تعالى :﴿ وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاء إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ ﴾ [ يوسف : ٢٤ ]، فأخبر أنه رأي برهان ربه، وأنه من عباده المخلصين.
ومن ترك المحرمات ليعلم المخلوق بذلك لم يكن هذا لأجل برهان من ربه، ولم يكن بذلك مخلصاً؛ فهذا الذي أضافوه إلى يوسف إذا فعله آحاد الناس لم يكن له ثواب من اللّه، بل يكون ثوابه على من عمل لأجله.
فإن قيل : فقد قال يوسف أولا :﴿ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ ﴾ [ يوسف : ٢٣ ].
قيل : إن كان مراده بذلك سيده، فالمعنى : أنه أحسن إلي، وأكرمني، فلا يحل لي أن أخونه في أهله، فإني أكون ظالما ولا يفلح الظالم، فترك خيانته في أهله خوفا من اللّه لا ليعلم هو بذلك.
فإن قيل : مراده تأتي إظهار براءتي ليعلم العزيز أني لم أخنه بالغيب، فالمعلل إظهار براءته لا نفس عفافه.
قيل : لم يكن مراده بإظهار براءته مجرد علم واحد، بل مراده علم الملك وغيره؛ ولهذا قال للرسول :﴿ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللاَّتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ ﴾ [ يوسف : ٥٠ ]، ولو كان هذا من قول يوسف لقال : ذلك ليعلموا أني بريء وأني مظلوم.


الصفحة التالية
Icon