فأما فعل الفاحشة فليس من باب الخيانة والأمانة، ولكن هو باب الظلم والسوء والفحشاء، كما وصفها اللّه بذلك في قوله تعإلى عن يوسف :﴿ مَعَاذَ اللّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ ﴾. ولم يقل هنا : الخائنين، ثم قال تعالى :﴿ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاء إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ ﴾، ولم يقل : لنصرف عنه الخيانة؛ فليتدبر اللبيب هذه الدقائق في كتاب اللّه تعإلى.
الوجه العاشر : أن في الكلام المحكي الذي أقره اللّه تعالى :﴿ إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاَّ مَا رَحِمَ
رَبِّيَ إِنَّ رَبِّي ﴾ [ يوسف : ٥٣ ]، وهذا يدل على أنه ليس كل نفس أمارة بالسوء، بل ما رحم ربي ليس فيه النفس الأمارة بالسوء.
وقد ذكر طائفة من الناس أن النفس لها ثلاثة أحوال : تكون أمارة بالسوء، ثم تكون لوامة، أي تفعل الذنب ثم تلوم عليه، أو تتلوم فتتردد بين الذنب والتوبة، ثم تصير مطمئنة.
والمقصود هنا أن ما رحم ربي من النفوس ليست بأمارة، وإذا كانت النفوس منقسمة إلى مرحومة وأمارة، فقد علمنا قطعاً أن نفس امرأة العزيز من النفوس الأمارة بالسوء ؛ لأنها أمرت بذلك مرة بعد مرة، وراودت وافترت، واستعانت بالنسوة وسجنت، وهذا من / أعظم ما يكون من الأمر بالسوء.
وأما يوسف ـ عليه الصلاة والسلام ـ فإن لم تكن نفسه من النفوس المرحومة عن أن تكون أمَّارَة فما في الأنفس مرحوم؛ فإن من تدبر قصة يوسف علم أن الذي رحم به وصرف عنه من السوء والفحشاء من أعظم ما يكون، ولولا ذلك لما ذكره الله في القرآن وجعله عبرة، وما من أحد من الصالحين الكبار والصغار إلا ونفسه إذا ابتليت بمثل هذه الدواعي، أبعد عن أن تكون مرحومة من نفس يوسف. وعلى هذا التقدير : فإن لم تكن نفس يوسف مرحومة، فما في النفوس مرحومة، فإذاً كل النفوس أمارة بالسوء، وهو خلاف ما في القرآن.