الوجه الحادي عشر : أن هذا الكلام فيه ـ مع الاعتراف / بالذنب ـ الاعتذار بذكر سببه، فإن قولها :﴿ أَنَاْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ ﴾ [ يوسف : ٥١ ]، فيه اعتراف بالذنب، وقولها :﴿ وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ ﴾ [ يوسف : ٥٣ ]، إشارة تطابق لقولها :﴿ أَنَاْ رَاوَدتُّهُ ﴾ أي : أنا مقرة بالذنب ما أنا مبرئة لنفسي. ثم بينت السبب فقالت :﴿ إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ ﴾. فنفسي من هذا الباب، فلا ينكر صدور هذا مني. ثم ذكرت ما يقتضي طلب المغفرة والرحمة، فقالت :﴿ إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴾.
فإن قيل : فهذا كلام من يقر بأن الزنا ذنب، وأن اللّه قد يغفر لصاحبه.
قلت : نعم. والقرآن قد دل على ذلك، حيث قال زوجها :﴿ يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا وَاسْتَغْفِرِي لِذَنبِكِ ﴾ [ يوسف : ٢٩ ]، فأمره لها بالاستغفار لذنبها دليل أنهم كانوا يرون ذلك ذنباً ويستغفرون منه، وإن كانوا مع ذلك مشركين، فقد كانت العرب مشركين وهم يحرمون الفواحش، ويستغفرون اللّه منها، حتى إن النبي ﷺ لما بايع هند بنت عتبة بن ربيعة بيعة النساء على ألا تشرك باللّه شيئًا، ولا تسرق ولا تزني. قالت : أو تزني الحرة ؟ وكان الزنا معروفًا عندهم في الإماء.
ولهذا غلب على لغتهم أن يجعلوا الحرية في مقابلة الرق، وأصل / اللفظ هو العفة، ولكن العفة عادة من ليست أمة، بل قد ذكر البخاري في صحيحه عن أبي رجاء العطاردي، أنه رأى في الجاهلية قرداً يزنى بقردة، فاجتمعت القرود عليه حتى رجمته.
وقد حدثني بعض الشيوخ الصادقين، أنه رأي في جامع نوعًا من الطير قد باض، فأخذ الناس بيضه، وجاء ببيض جنس آخر من الطير، فلما انفقس البيض خرجت الفراخ من غير الجنس، فجعل الذكر يطلب جنسه، حتى اجتمع منهن عدد فما زالوا بالأنثي حتى قتلوها، ومثل هذا معروف في عادة البهائم.


الصفحة التالية
Icon