والفواحش مما اتفق أهل الأرض على استقباحها وكراهتها، وأولئك القوم كانوا يقرون بالصانع مع شركهم؛ ولهذا قال لهم يوسف :﴿ يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُّتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ مَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِهِ إِلاَّ أَسْمَاء سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَآؤُكُم مَّا أَنزَلَ اللّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ ﴾ [ يوسف : ٣٩، ٤٠ ].
الوجه الثاني عشر : أن يقال : إن اللّه ـ سبحانه وتعإلى ـ لم يذكر عن نبي من الأنبياء ذنباً إلا ذكر توبته منه، ولهذا كان الناس في عصمة الأنبياء على قولين : إما أن يقولوا بالعصمة من فعلها، وإما / أن يقولوا بالعصمة من الإقرار عليها؛ لا سيما فيما يتعلق بتبليغ الرسالة، فإن الأمة متفقة على أن ذلك معصوم أن يقر فيه على خطأ، فإن ذلك يناقض مقصود الرسالة، ومدلول المعجزة.
وليس هذا موضع بسط الكلام في ذلك، ولكن المقصود هنا أن اللّه لم يذكر في كتابه عن نبي من الأنبياء ذنباً إلا ذكر توبته منه، كما ذكر في قصة آدم وموسي، وداود وغيرهم من الأنبياء.
وبهذا يجيب من ينصر قول الجمهور الذين يقولون بالعصمة من الإقرار على من ينفي الذنوب مطلقاً، فإن هؤلاء من أعظم حججهم ما اعتمده القاضي عياض وغيره، حيث قالوا : نحن مأمورون بالتأسي بهم في الأفعال، وتجويز ذلك يقدح في التأسي؛ فأجيبوا بأن التأسي إنما هو فيما أقروا عليه، كما أن النسخ جائز فيما يبلغونه من الأمر والنهي، وليس تجويز ذلك مانعاً من وجوب الطاعة؛ لأن الطاعة تجب فيما لم ينسخ، فعدم النسخ يقرر الحكم، وعدم الإنكار يقرر الفعل، والأصل عدم كل منهما.


الصفحة التالية
Icon