واذا كان الأمر في يوسف كذلك، كان ما ذكر من قوله :﴿ إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّيَ ﴾، إنما يناسب حال امرأة العزيز لا يناسب حال يوسف، فإضافة الذنوب إلى يوسف في هذه القضية فِرْيةُ على الكتاب والرسول، وفيه تحريف للكلم عن مواضعه، وفيه / الاغتياب لنبي كريم، وقول الباطل فيه بلا دليل، ونسبته إلى ما نزهه اللّه منه، وغير مستبعد أن يكون أصل هذا من اليهود أهل البُهْتِ [ البُهْتُ : الكذب والافتراء ]، الذين كانوا يرمون موسي بما برأه اللّه منه، فكيف بغيره من الأنبياء ؟ وقد تلقي نقلهم من أحسن به الظن، وجعل تفسير القرآن تابعاً لهذا الاعتقاد.
واعلم أن المنحرفين في مسألة العصمة على طرفي نقيض، كلاهما مخالف لكتاب اللّه من بعض الوجوه : قوم أفرطوا في دعوي امتناع الذنوب، حتى حَرَّفُوا نصوص القرآن المخبرة بما وقع منهم من التوبة من الذنوب، ومغفرة اللّه لهم، ورفع درجاتهم بذلك، وقوم أفرطوا في أن ذكروا عنهم ما دل القرآن على براءتهم منه، وأضافوا إليهم ذنوباً وعيوباً نزههم اللّه عنها. وهؤلاء مخالفون للقرآن، وهؤلاء مخالفون للقرآن، ومن اتبع القرآن على ما هو عليه من غير تحريف، كان من الأمة الوسط، مهتديا إلى الصراط المستقيم، صراط الذين أنعم اللّه عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين.
قال النبي ﷺ :( اليهود مغضوب عليهم، والنصاري ضالون )، وقد ثبت في الصحيح عن النبي ﷺ أنه قال :( لتتبعن سَنَن من كان قبلكم حَذْو القَذَّة بالقذة، حتى لو دخلوا جحر ضَبٍّ لدخلتموه )، قالوا : يا رسول اللّه، اليهود والنصاري ؟ / قال :( فمن ؟ )، وفي الحديث الآخر الذي في الصحيح :( لتأخذن أمتي مأخذ الأمم قبلها، شبراً بشبر، وذراعًا بذراع ) قالوا : يا رسول اللّه، فارس والروم ؟ قال :( ومن الناس إلا هؤلاء ؟ ).