ولا ريب أنه صار عند كثير من الناس من علم أهل الكتاب ومن فارس والروم، ما أدخلوه في علم المسلمين ودينهم وهم لا يشعرون، كما دخل كثير من أقوال المشركين من أهل الهند واليونان وغيرهم، والمجوس والفرس والصابئين من اليونان وغيرهم في كثير من المتأخرين؛ لا سيما في جنس المتفلسفة والمتكلمة.
ودخل كثير من أقوال أهل الكتاب اليهود والنصاري في طائفة هم أمثل من هؤلاء، إذ أهل الكتاب كانوا خيراً من غيرهم.
ولما فتح المسلمون البلاد كانت الشام ومصر ونحوهما مملوءة من أهل الكتاب، النصاري واليهود، فكانوا يحدثونهم عن أهل الكتاب بما بعضه حق وبعضه باطل؛ فكان من أكثرهم حديثا عن أهل الكتاب كعب الأحبار. وقد قال معاوية ـ رضي اللّه عنه : ما رأينا في هؤلاء الذين يحدثونا عن أهل الكتاب أصدق من كعب، وإن كنا لنبلو عليه الكذب أحياناً.
ومعلوم أن عامة ما عند كعب أن ينقل ما وجده في كتبهم، ولو / نقل ناقل ما وجده في الكتب عن نبينا ﷺ لكان فيه كذب كثير، فكيف بما في كتب أهل الكتاب مع طول المدة، وتبديل الدين، وتفرق أهله، وكثرة أهل الباطل فيه.
وهذا باب ينبغي للمسلم أن يعتني به، وينظر ما كان عليه أصحاب رسول اللّه صلى الله عليه وسلم، الذين هم أعلم الناس بما جاء به، وأعلم الناس بما يخالف ذلك من دين أهل الكتاب والمشركين والمجوس والصابئين. فإن هذا أصل عظيم.
ولهذا قال الأئمة ـ كأحمد بن حنبل وغيره : أصول السنة هي التمسك بما كان عليه أصحاب رسول اللّه ﷺ.
ومن تأمل هذا الباب وجد كثيراً من البدع أحدثت بآثار أصلها عنهم، مثل ما يروي في فضائل بقاع في الشام، من الجبال والغيران، ومقامات الأنبياء ونحو ذلك. مثل ما يذكر في جبل قاسيون، ومقامات الأنبياء التي فيه، وما في إتيان ذلك من الفضيلة حتى إن بعض المفترين من الشيوخ جعل زيارة مغارة فيه ثلاث مرات تعدل حجة، ويسمونها مقامات الأنبياء.