والآثار التي تروي في ذلك لا تصل إلى الصحابة، وإنما هي عمن / دونهم ممن أخذها عن أهل الكتاب، وإلا فلو كان لهذا أصل؛ لكان هذا عند أكابر الصحابة الذين قدموا الشام، مثل بلال بن رباح، ومعاذ بن جبل، وعبادة بن الصامت، بل ومثل أبي عبيدة بن الجراح ـ أمين الأمة ـ وأمثالهم. فقد دخل الشام من أكابر الصحابة أفضل ممن دخل بقية الأمصار غير الحجاز، فلم ينقل عن أحد منهم اتباع شيء من آثار الأنبياء، لا مقابرهم ولا مقاماتهم، فلم يتخذوها مساجد، ولا كانوا يتحرون الصلاة فيها، والدعاء عندها، بل قد ثبت عن عمر بن الخطاب ـ رضي اللّه عنه ـ أنه كان في سفر، فرأي قوماً ينتابون مكاناً يصلون فيه، فقال : ما هذا ؟ قالوا : هذا مكان صلى فيه رسول اللّه ﷺ، فقال : ومكان صلى فيه رسول اللّه ﷺ ؟ ! أتريدون أن تتخذوا آثار أنبيائكم مساجد ؟ إنما هلك من كان قبلكم بهذا، من أدركته الصلاة فيه فليصل، وإلا فليمض.
ولما دخل بيت المقدس وأراد أن يبني مصلى المسلمين، قال لكعب : أين أبنيه ؟ قال : ابنه خلف الصخرة، قال : خالطتك يهودية يابن اليهودية، بل أبنيه أمامها؛ ولهذا كان عبد اللّه ابن عمر إذا دخل بيت المقدس صلى في قِبْلَيهِ، ولم يذهب إلى الصخرة.


الصفحة التالية
Icon