وقال الكسائي : هذا على التهديد والوعيد، كما يقول الرجل لمن يخاصمه : طريقك علي، أي : لا تفلت مني، كما قال تعالى :﴿ إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ ﴾.
وقيل : معناه : على استقامته بالبيان والبرهان والتوفيق والهداية.
فذكروا الأقوال الثلاثة، وذكروا قول الأخفش : على الدلالة على الصراط المستقيم. وهو يشبه القول الأخير، لكن بينهما فرق. فإن ذاك يقول : على استقامته بإقامة الأدلة. فمن سلكه كان على صراط مستقيم. والآخر يقول : على أن أدل الخلق عليه بإقامة الحجج. ففي كلا القولين أنه بَينَ الصراط المستقيم بنصب الأدلة، لكن هذا جعل الدلالة عليه، وهذا جعل عليه استقامته ـ أي بيان استقامته ـ وهما متلازمان؛ ولهذا ـ والله أعلم ـ لم يجعله أبو الفرج قولا رابعًا.
وذكروا القراءة الأخري عن يعقوب وغيره : أي : رفيع. قال البغوي : وعبر بعضهم عنه :( رفيع أن ينال، مستقيم أن يمال ).
قلت : القول الصواب : هو قول أئمة السلف ـ قول مجاهد ونحوه ـ فإنهم أعلم بمعاني القرآن. لاسيما مجاهد فإنه قال : عرضت المصحف على ابن عباس من فاتحته إلى خاتمته أقفه عند كل آية، وأسأله عنها. وقال الثوري : إذا جاءك التفسير عن مجاهد فحسبك به. والأئمة كالشافعي، وأحمد، والبخاري، ونحوهم، يعتمدون على تفسيره، والبخاري في صحيحه أكثر ما ينقله من التفسيرينقله عنه. والحسن البصري أعلم التابعين بالبصرة. وما ذكروه عن مجاهد ثابت عنه، رواه الناس كابن أبي حاتم وغيره، من تفسير ورقاء، عن ابن أبي نَجِيح، عن مجاهد في قوله :﴿ هَذَا صِرَاطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ ﴾ [ الحجر : ٤١ ] الحق يرجع إلى الله، وعليه طريقه لا يعرج على شيء. وذكر عن قتادة أنه فسرها على قراءته ـ وهو يقرأ :( عَلِي ) ـ فقال : أي : رفيع مستقيم.