ولكن البغوي ذكر فيها القول الآخر، ذكره في تفسير قوله تعالى :﴿ إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى ﴾ [ الليل : ١٢ ]، عن الفراء، كما سيأتي. فقد ذكر القولين في الآيات الثلاث تبعًا لمن قبله، كالثعلبي وغيره.
والمهدوي ذكر في الآية الأولي قولين من الثلاثة، وذكر في الثانية ما رواه العوفي، وقولا آخر. فقال :
قوله :﴿ هَذَا صِرَاطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ ﴾، أي : على أمري وإرادتي. وقيل : هو على التهديد، كما يقال : على طريقك وإلى مصيرك.
وقال في قوله :﴿ وَعَلَى اللّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ ﴾ قال ابن عباس : أي بيان الهدي من الضلال. وقيل : السبيل : الإسلام، ﴿ وَمِنْهَا جَآئِرٌ ﴾ أي : ومن السبيل جائر، أي عادل عن الحق. وقيل : المعني : وعنها جائر، أي : عن السبيل، فـ ( من ) بمعنى ( عن ).
وقيل : معنى قصد السبيل : سيركم ورجوعكم، والسبيل واحدة بمعنى الجمع.
قلت : هذا قول بعض المتأخرين ـ جعل القصد بمعنى الإرادة، أي : عليه قصدكم للسبيل في ذهابكم ورجوعكم. وهو كلام من لم يفهم الآية. فإن ( السبيل القصد ) هي : السبيل العادلة، أي : عليه السبيل القصد. و ( السبيل ) : اسم جنس؛ ولهذا قال :﴿ وَمِنْهَا جَآئِرٌ ﴾، أي : عليه القصد من السبيل، ومن السبيل جائر. فأضافه إلى اسم الجنس إضافة النوع إلى الجنس، أي :( القصد من السبيل )، كما تقول : ثوب خز، ولهذا قال :﴿ وَمِنْهَا جَآئِرٌ ﴾.
وأما من ظن أن التقدير : قصدكم السبيل؛ فهذا لا يطابق لفظ الآية ونظمها من وجوه متعددة.
وابن عطية لم يذكر في آية الحجر إلا قول الكسائي، وهو أضعف الأقوال، وذكر المعنى الصحيح تفسيرًا للقراءة الأخري. فذكر أن جماعة من السلف قرؤوا :( على مستقيم ) من العلو والرفعة. قال : والإشارة بهذا على هذه القراءة إلى الإخلاص ـ لما استثني إبليس من أخلص ـ قال الله له : هذا الإخلاص طريق رفيع مستقيم لا تنال أنت بإغوائك أهله.


الصفحة التالية
Icon