قال : وقرأ جمهور الناس :﴿ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ ﴾. والإشارة بهذا على هذه القراءة إلى انقسام الناس إلى غاو ومخلص. لما قسم إبليس هذين / القسمين قال الله : هذا طريق على أي : هذا أمر إلى مصيره. والعرب تقول : طريقك في هذا الأمر على فلان، أي : إليه يصير النظر في أمرك. وهذا نحو قوله :﴿ إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ ﴾ [ الفجر : ١٤ ]. قال : والآية على هذه القراءة خبر يتضمن وعيدًا.
قلت : هذا قول لم ينقل عن أحد من علماء التفسير ـ لا في هذه الآية ولا في نظيرها. وإنما قاله الكسائي لما أشكل عليه معنى الآية الذي فهمه السلف، ودل عليه السياق والنظائر.
وكلام العرب لا يدل على هذا القول. فإن الرجل وإن كان يقول لمن يتهدده ويتوعده : على طريقك، فإنه لايقول : إن طريقك مستقيم.
وأيضا، فالوعيد إنما يكون للمسيء، لايكون للمخلصين. فكيف يكون قوله هذا إشارة إلى انقسام الناس إلى غاو ومخلص، وطريق هؤلاء غير طريق هؤلاء ؟ هؤلاء سلكوا الطريق المستقيم التي تدل على الله، وهؤلاء سلكوا السبيل الجائرة.
وأيضًا، فإنما يقول لغيره في التهديد : طريقك علي، من لا يقدر عليه في الحال، لكن ذاك يمر بنفسه عليه وهو متمكن منه، كما كان أهل / المدينة يتوعدون أهل مكة بأن طريقكم علينا، لما تهددوهم بأنكم آويتم محمدًا وأصحابه. كما قال أبو جهل لسعد بن معاذ ـ لما ذهب سعد إلى مكة : لا أراك تطوف بالبيت آمنًا وقد آويتم الصباة وزعمتم أنكم تنصرونهم، فقال : لئن منعتني هذا لأمنعنك ما هو أشد عليك منه ـ طريقك على المدينة، أو نحو هذا.
فذكر أن طريقهم في متجرهم إلى الشام عليهم، فيتمكنون حينئذ من جزائهم.