وقوله : لو كان للجنس لم يكن منها جائر، ليس كذلك. فإنها ليست كلها عليه، بل إنما عليه القصد منها، وهي سبيل الهدي، والجائر ليس من القصد. وكأنه ظن أنه إذا كانت للجنس يكون عليه قصد كل سبيل، وليس كذلك. بل إنما عليه سبيل واحدة، وهي الصراط المستقيم ـ هي التي تدل عليه، وسائرها سبل الشيطان، كما قال :﴿ وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ﴾ [ الأنعام : ١٥٣ ].
وقد أحسن ـ رحمه الله ـ في هذا الاحتمال، وفي تمثيله ذلك بقوله :﴿ هَذَا صِرَاطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ ﴾.
وأما آية الليل ـ قوله :﴿ إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى ﴾ [ الليل : ١٢ ] فابن عطية مثَّلها بهذه الآية، لكنه فسرها بالوجه الأول فقال :
ثم أخبر ـ تعالى ـ أن عليه هدي الناس جميعًا، أي : تعريفهم بالسبل كلها ومنحهم الإدراك، كما قال :﴿ وَعَلَى اللّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ ﴾، ثم كل أحد يتكسب ما قدر له. وليست هذه الهداية بالإرشاد إلى الإيمان، ولو كان كذلك لم يوجد كافر.
قلت : وهذا هو الذي ذكره ابن الجوزي ـ وذكره عن الزجاج. قال الزجاج : إن علينا أن نبين طريق الهدي من طريق الضلال.
وهذا التفسير ثابت عن قتادة، رواه عبد بن حميد. قال : حدثنا يونس، عن شيبان، عن قتادة :﴿ إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى ﴾، علينا بيان حلاله وحرامه، وطاعته ومعصيته. وكذلك رواه ابن أبي حاتم في تفسير سعيد، عن قتادة في قوله :﴿ إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى ﴾ يقول : على الله البيان، بيان حلاله وحرامه، وطاعته ومعصيته.
لكن قتادة ذكر أنه البيان الذي أرسل الله به رسله وأنزل به كتبه، فتبين به حلاله وحرامه، وطاعته ومعصيته.