وأيضًا، فالمساكن لها منفعتان : إحداهما : السكون فيها لأجل الاستتار، فهي كلباس الزينة من هذا الوجه. والثاني : وقاية الأذي من الشمس والمطر والريح ونحو ذلك، فجمع الله الامتنان بهذين فقال :﴿ وَاللّهُ جَعَلَ لَكُم مِّن بُيُوتِكُمْ سَكَنًا ﴾ هذه بيوت المدر [ المدر : القرى ] ﴿ وَجَعَلَ لَكُم مِّن جُلُودِ الأَنْعَامِ بُيُوتًا تَسْتَخِفُّونَهَا يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقَامَتِكُمْ ﴾ [ النحل : ٨٠ ] هذه بيوت العمود ﴿ وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا أَثَاثًا وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ ﴾ [ النحل : ٨٠ ]، يدخل فيه أُهبة البيت من البسط والأوعية والأغطية ونحوها، وقال :﴿ مِّن بُيُوتِكُمْ سَكَنًا ﴾، ولم يقل : من المدر بيوتًا كما قال :﴿ وَجَعَلَ لَكُم مِّن جُلُودِ الأَنْعَامِ بُيُوتًا ﴾ ؛ لأن السكن بيان منفعة البيت، فبه تظهر النعمة، واتخاذ / البيوت من المدر معتاد، فالنعمة بظهور أثرها؛ بخلاف الأنعام، فإن الهداية إلي اتخاذ البيوت من جلودها أظهر من الهداية إلي نفس اتخاذ البيوت.