وأما فائدة الوقاية فقال :﴿ وَاللّهُ جَعَلَ لَكُم مِّمَّا خَلَقَ ظِلاَلاً وَجَعَلَ لَكُم مِّنَ الْجِبَالِ ﴾ [ النحل : ٨١ ]، فالظلال يعم جميع ما يظل من العرش والفساطيط والسقوف مما يصطنعه الآدميون، وقوله :﴿ مِّنَ الْجِبَالِ أَكْنَانًا ﴾ ؛ لأن الجبل يكن الإنسان من فوقه ويمينه ويساره وأسفل منه، ليس مقصوده الاستظلال؛ بخلاف الظلال فإن مقصودها الاستظلال؛ ولهذا قرن بهذه ما في السرابيل من منفعة الوقاية، فجمع في هذه الآية بين وقاية اللباس المنتقل مع البدن، ووقاية الظلال الثابتة علي الأرض؛ ولهذا كانوا في الجاهلية يسوون بينهما في حق المحرم، فكما نهي عن تغطية الرأس، نهوه عن الدخول تحت سقف حتي أنزل الله :﴿ وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوْاْ الْبُيُوتَ مِن ظُهُورِهَا ﴾ [ البقرة : ١٨٩ ]. وجاز للمحرم أن يستظل بالثابت من الخيام والشجر، وأما الشيء المنتقل معه المتصل كالمحمل، ففيه ما فيه لتردده بين السرابيل وبين المستقر من الظلال والأكنة.
كما أنه قبل هذه الآيات ذكر أصناف الأشربة من اللبن والخمر والعسل، وذكر في أول السورة المراكب والأطعمة، وهذه مجامع المطاعم والمشارب والملابس والمساكن والمراكب.
قال شيخ الإسلام :
قوله عز وجل :﴿ قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِن رَّبِّكَ بِالْحَقِّ ﴾ الآيتين [ النحل : ١٠٢، ١٠٣ ]. لفظ :( الإنزال ) في القرآن يرد مقيدًا بأنه منه كالقرآن، وبالإنزال من السماء، ويراد به : العلو كالمطر، ومطلقًا فلا يختص بنوع، بل يتناول إنزال الحديد من الجبال، والإنزال من ظهور الحيوان، وغير ذلك، فقوله :﴿ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِن رَّبِّكَ بِالْحَقِّ ﴾ بيان لنزول جبريل به من الله، كقوله :﴿ نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ ﴾ [ الشعراء : ١٩٣ ]، أي : أنه مؤتمن لا يزيد ولا ينقص، فإن الخائن قد يغير الرسالة.
وفيها دلالة علي أمور :