وسبب ذلك أن الخير إما بمعرفة الحق واتباعه في العلم والعمل جميعاً صلاح القول والعمل : العلم والإرادة. والعلم أصل العمل وأصل الإرادة والمحبة وغير ذلك، وهو مستلزم له ما لم يحصل معارض مانع. فالعلم بالحق يوجب اتباعه إلا لمعارض راجح : مثل اتباع الهوي بالاستكبار ونحوه، كحال الذين قال اللّه فيهم :﴿ سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِن يَرَوْاْ كُلَّ آيَةٍ لاَّ يُؤْمِنُواْ بِهَا وَإِن يَرَوْاْ سَبِيلَ الرُّشْدِ لاَ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً وَإِن يَرَوْاْ سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً ﴾ [ الأعراف : ١٤٦ ]، وقال :﴿ وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا ﴾ [ النمل : ١٤ ]، وقال :﴿ فَإِنَّهُمْ لاَ يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللّهِ يَجْحَدُونَ ﴾ [ الأنعام : ٣٣ ] ؛ ولهذا قال :﴿ يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ ﴾ [ ص : ٢٦ ]، ونحو ذلك.
فإن أصل الفطرة التي فطر الناس عليها إذا سلمت من الفساد إذا رأت الحق اتبعته وأحبته. إذ الحق نوعان :
حق موجود : فالواجب معرفته والصدق في الإخبار عنه، وضد ذلك الجهل والكذب.
وحق مقصود : وهو النافع للإنسان، فالواجب إرادته والعمل به، وضد ذلك إرادة الباطل واتباعه.


الصفحة التالية
Icon