ومن المعلوم أن اللّه خلق في النفوس محبة العلم دون الجهل، ومحبة الصدق دون الكذب، ومحبة النافع دون الضار، وحيث دخل ضد ذلك فلمعارض من هوي وكبر وحسد ونحو ذلك، كما أنه في صالح الجسد خلق اللّه فيه محبة الطعام والشراب الملائم له دون الضار، فإذا اشتهي ما يضره أو كره ما ينفعه فلمرض في الجسد، وكذلك ـ أيضاً ـ إذا اندفع عن النفس المعارض من الهوى والكبر والحسد وغير ذلك، أحب القلب ما ينفعه من العلم النافع والعمل الصالح، كما أن / الجسد إذا اندفع عنه المرض أحب ما ينفعه من الطعام والشراب، فكل واحد من وجود المقتضي وعدم الدافع سبب للآخر، وذلك سبب لصلاح حال الإنسان، وضدهما سبب لضد ذلك، فإذا ضعف العلم غلب [ في المطبوعة : غلبه والتصويب من التفسير الكبير لابن تيمية، تحقيق الدكتور محمد الجليند ٤/٣٤٤ ] الهوي الإنسان، وإن وجد العلم والهوي وهما المقتضي والدافع فالحكم للغالب.
وإذا كان كذلك فصلاح بني آدم، الإيمان والعمل الصالح، ولا يخرجهم عن ذلك إلا شيئان :
أحدهما : الجهل المضاد للعلم، فيكونون ضلالاً.
والثاني : اتباع الهوي والشهوة اللذين في النفس، فيكونون غواة مغضوبا عليهم؛ ولهذا قال :﴿ وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى ﴾ [ النجم : ١، ٢ ]، وقال :( عليكم بسنتي، وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، تمسكوا بها، وعضوا عليها بالنواجذ ). فوصفهم بالرشد الذي هو خلاف الغي، وبالهدي الذي هو خلاف الضلال، وبهما يصلح العلم والعمل جميعاً، ويصير الإنسان عالماً عادلا، لا جاهلا ولا ظالماً.
وهم في الصلاح على ضربين :
تارة يكون العبد إذا عرف الحق وتبين له اتبعه وعمل به، فهذا هو الذي يدْعَي بالحكمة وهو الذي يتذكر، وهو الذي يحدث له القرآن ذكراً.