وهذا يبين أن المصاحف التي نسخت كانت مصاحف متعددة، وهذا معروف مشهور، وهذا مما يبين غلط من قال في بعض الألفاظ : إنه غلط من الكاتب، أو نقل ذلك عن عثمان، فإن هذا ممتنع لوجوه :
منها : تعدد المصاحف، واجتماع جماعة على كل مصحف، ثم وصول كل مصحف إلى بلد كبير فيه كثير من الصحابة والتابعين يقرؤون القرآن ويعتبرون ذلك بحفظهم، والإنسان إذا نسخ مصحفاً غلط في بعضه عرف غلطه بمخالفة حفظه القرآن وسائر المصاحف، فلو قُدِّرَ أنه / كتب كاتب مصحفاً ثم نسخ سائر الناس منه من غير اعتبار للأول والثاني، أمكن وقوع الغلط في هذا، وهنا كل مصحف إنما كتبه جماعة ووقف عليه خلق عظيم ممن يحصل التواتر بأقل منهم، ولو قُدِّر أن الصحيفة كان فيها لحن فقد كتب منها جماعة لا يكتبون إلا بلسان قريش، ولم يكن لحناً، فامتنعوا أن يكتبوه إلا بلسان قريش، فكيف يتفقون كلهم على أن يكتبوا :﴿ إِنْ هَذَانِ ﴾، وهم يعلمون أن ذلك لحن لا يجوز في شيء من لغاتهم، أو :﴿ وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاَةَ ﴾، وهم يعلمون أن ذلك لحن، كما زعم بعضهم.
قال الزجاج في قوله :﴿ وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاَةَ ﴾ : قول من قال : إنه خطأ ـ بعيد جداً، لأن الذين جمعوا القرآن هم أهل اللغة والقدوة، فكيف يتركون شيئاً يصلحه غيرهم، فلا ينبغي أن ينسب هذا إليهم، وقال ابن الأنباري : حديث عثمان لا يصح؛ لأنه غير متصل ومحال أن يؤخر عثمان شيئا ليصلحه من بعده.