قلت : ومما يبين كذب ذلك : أن عثمان لو قدر ذلك فيه، فإنما رأي ذلك في نسخة واحدة، فإما أن تكون جميع المصاحف اتفقت على الغلط، وعثمان قد رآه في جميعها وسكت؛ فهذا ممتنع عادة وشرعًا من الذين كتبوا، ومن عثمان، ثم من المسلمين الذين وصلت إليهم المصاحف ورأوا ما فيها، وهم يحفظون القرآن، ويعلمون أن فيه لحناً / لا يجوز في اللغة، فضلاً عن التلاوة، وكلهم يقر هذا المنكر لا يغيره أحد، فهذا مما يعلم بطلانه عادة، ويعلم من دين القوم الذين لا يجتمعون على ضلالة، بل يأمرون بكل معروف وينهون عن كل منكر أن يدَعوا في كتاب اللّه منكراً لا يغيره أحد منهم، مع أنهم لا غرض لأحد منهم في ذلك، ولو قيل لعثمان : مر الكاتب أن يغيره؛ لكان تغييره من أسهل الأشياء عليه.
فهذا ونحوه مما يوجب القطع بخطأ من زعم أن في المصحف لحناً أو غلطاً، وإن نقل ذلك عن بعض الناس ممن ليس قوله حجة، فالخطأ جائز عليه فيما قاله، بخلاف الذين نقلوا ما في المصحف وكتبوه وقرؤوه فإن الغلط ممتنع عليهم في ذلك، وكما قال عثمان : إذا اختلفتم في شيء فاكتبوه بلغة قريش، وكذلك قال عمر لابن مسعود : أقرئ الناس بلغة قريش، ولا تقرئهم بلغة هذيل؛ فإن القرآن لم ينزل بلغة هذيل.
وقوله تعالى في القرآن :﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ ﴾ [ إبراهيم : ٤ ]، يدل على ذلك، فإن قومه هم قريش، كما قال :﴿ وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ الْحَقُّ ﴾ [ الأنعام : ٦٦ ]، وأما كنانة : فهم جيران قريش، والناقل عنهم ثقة، ولكن الذي ينقل ينقل ما سمع، وقد يكون سمع ذلك في الأسماء المبهمة المبنية، فظن أنهم يقولون ذلك في سائر الأسماء؛ بخلاف من سمع ( بين أذناه )، و ( لناباه ) فإن هذا صريح في الأسماء التي ليست مبهمة.