وإذا كان كذلك، فنقول : المنفى قدرة من سواه على الضر والنفع. وأما قوله :﴿ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِن نَّفْعِهِ ﴾، فنقول أولا : المنفى هو فعلهم بقوله :﴿ مَا لَا يَضُرُّهُ وَمَا لَا يَنفَعُهُ ﴾ والمثبت اسم مضاف إليه فإنه لم يقل : يضر أعظم مما ينفع، بل قال :﴿ لَمَن ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِن نَّفْعِهِ ﴾ والشىء يضاف إلى الشىء بأدنى ملابسة، فلا يجب أن يكون الضر والنفع المضافين من باب إضافة المصدر إلى الفاعل، بل قد يضاف المصدر من جهة كونه اسمًا، كما تضاف سائر الأسماء، وقد يضاف إلى محله وزمانه ومكانه وسبب حدوثه، وإن لم يكن فاعلاً كقوله :﴿ بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ ﴾ [ سبأ : ٣٣ ]، ولا ريب أن بين المعبود من دون الله وبين ضرر عابديه تعلق يقتضى الإضافة، كأنه قيل : لمن شره أقرب من خيره، وخسارته أقرب من ربحه، فتدبر هذا !
ولو جعل هو فاعل الضر بهذا؛ لأنه سبب فيه لا لأنه هو الذى / فعل الضرر، وهذا كقول الخليل عن الأصنام :﴿ رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِّنَ النَّاسِ ﴾ [ إبراهيم : ٣٦ ]، فنسب الإضلال إلىهن، والإضلال هو ضرر لمن أضللنه، وكذلك قوله :﴿ وَمَا زَادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ ﴾ [ هود : ١٠١ ]، وهذا كما يقال : أهلك الناس الدرهم والدينار، وأهلك النساء الأحمران الذهبَُ والحرير، وكما يقال للمحبوب المعشوق الذى تضر محبته وعشقه : إنه عذب هذا وأهلكه وأفسده وقتله وعثره، وإن كان ذاك المحبوب قد لا يكون شاعرًا بحال هذا البتة، وكذلك يقال فى المحسود : إنه يعذب حاسديه وإن كان لا شعور له بهم.


الصفحة التالية
Icon