سورة المؤمنون
قاَل شيخ الإسلام ـ رَحِمَهُ الله تعَالى :
فى قوله تعالى :﴿ أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذَا مِتُّمْ وَكُنتُمْ تُرَابًا وَعِظَامًا أَنَّكُم مُّخْرَجُونَ ﴾ [ المؤمنون : ٣٥ ]، طال الفصل بين أن واسمها وخبرها، فأعاد [ أن ] لتقع على الخبر لتأكيده بها، ونظير هذا قوله تعالى :﴿ أَلَمْ يَعْلَمُواْ أَنَّهُ مَن يُحَادِدِ اللّهَ وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ ﴾ [ التوبة : ٦٣ ]، لما طال الكلام أعاد [ أَنّ ] هذا قول الزجاج وطائفة، وأحسن من هذا أن يقال : كل واحدة من هاتين الجملتين جملة شرطية مركبة من جملتين جزائىتىن، فَأُكِّدَت الجملة الشرطية بـ [ أَنّ ] على حد تأكيدها فى قول الشاعر :
إن من يدخل الكنيسة يومًا ** يلق فيها جآذرًا وظباء
ثم أكدت الجملة الجزائىة بـ [ أن ] إذ هى المقصودة، على حد تأكيدها فى قوله تعالى :﴿ وَالَّذِينَ يُمَسَّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ إِنَّا لاَ نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ ﴾ [ الأعراف : ١٧٠ ].
ونظير الجمع بين تأكيد الجملة الكبرى المركبة من الشرط والجزاء، /وتأكيد جملة الجزاء قوله تعالى :﴿ إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَيِصْبِرْ فَإِنَّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [ يوسف : ٩٠ ]، فلا يقال فى هذا :[ إنّ ] أعيدت لطول الكلام، ونظيره قوله تعالى :﴿ إِنَّهُ مَن يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِمًا فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيى ﴾ [ طه : ٧٤ ].
ونظيره :﴿ أَنَّهُ مَن عَمِلَ مِنكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِن بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴾ [ الأنعام : ٥٤ ]، فهما تأكيدان مقصودان لمعنيين مختلفين، ألا ترى تأكيد قوله :﴿ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴾ بـ [ أنَّ ] غير تأكيد :﴿ مَن عَمِلَ مِنكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِن بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴾ له بـ [ أَنَّ ] ؟ ! وهذا ظاهر لا خفاء به، وهو كثير فى القرآن وكلام العرب.
وأما قوله تعالى :﴿ وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلاَّ أَن قَالُواْ ربَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا ﴾ [ آل عمران : ١٤٧ ]، فهذا ليس من التكرار فى شىء، فإن [ قولهم ] : خبر [ كان ] قدم على اسمها، و [ أن قالوا ] : فى تأويل المصدر، وهو الاسم، فهما اسم كان وخبرها، والمعنى : وما كان لهم قول إلا قول :﴿ ربَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا ﴾، ونظير هذا قوله تعالى :﴿ وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَن قَالُواْ ﴾ [ الأعراف : ٨٢ ]، والجواب قول؛ وتقول : ما لفلان قول إلا قول :[ لا حول ولاقوة إلا بالله ] فلا تكرار أصلاً.


الصفحة التالية
Icon