فأخبر ـ سبحانه ـ أن المنافقين يفقدون النور الذى كان المؤمنون يمشون به، ويطلبون الاقتباس من نورهم فيحجبون عن ذلك بحجاب يضرب بينهم وبين المؤمنين، كما أن المنافقين لما فقدوا النور فى الدنيا كان مثلهم كمثل الذى استوقد نارًا، فلما أضاءت ما حوله ذهب الله بنورهم وتركهم فى ظلمات، فقوله تعالى :﴿ الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي ﴾ الآية [ النور : ٢ ]، فأمر بعقوبتهما وعذابهما بحضور طائفة من المؤمنين، وذلك بشهادته على نفسه، أو بشهادة المؤمنين عليه؛ لأن المعصية إذا كانت ظاهرة كانت عقوبتها / ظاهرة، كما جاء فى الأثر : من أذنب سرًا فليتب سرًا، ومن أذنب علانية فليتب علانية. وليس من الستر الذى يحبه الله ـ تعالى ـ كما فى الحديث :[ من ستر مسلمًا ستره الله ] ـ بل ذلك إذا ستر كان ذلك إقرارًا لمنكر ظاهر، وفى الحديث :[ إن الخطيئة إذا خَفِيَت لم تضر إلا صاحبها، وإذا أعلنت فلم تنكر ضرت العامة ]، فإذا أعلنت أعلنت عقوبتها بحسب العدل الممكن.
ولهذا لم يكن للمعلن بالبدع والفجور غيبة، كما روى ذلك عن الحسن البصرى وغيره؛ لأنه لما أعلن ذلك استحق عقوبة المسلمين له، وأدنى ذلك أن يذم عليه لينزجر ويكف الناس عنه وعن مخالطته، ولو لم يذم ويذكر بما فيه من الفجور والمعصية أو البدعة لاغتر به الناس، وربما حمل بعضهم على أن يرتكب ما هو عليه، ويزداد ـ أيضًا ـ هو جرأة وفجورًا ومعاصى، فإذا ذكر بما فيه انكف وانكف غيره عن ذلك وعن صحبته ومخالطته، قال الحسن البصرى : أترغبون عن ذكر الفاجر ؟ اذكروه بما فيه كى يحذره الناس، وقد روى مرفوعًا، و [ الفجور ] : اسم جامع لكل متجاهر بمعصية، أو كلام قبيح يدل السامع له على فجور قلب قائله.


الصفحة التالية
Icon