قوله تعالى :﴿ وَلَا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ ﴾ الآية [ النور : ٢ ]، نهى ـ تعالى ـ عما يأمر به الشيطان فى العقوبات عمومًا، وفى أمر الفواحش خصوصًا، فإن هذا الباب مبناه على المحبة والشهوة والرأفة، التى يزينها الشيطان بانعطاف القلوب على أهل الفواحش والرأفة بهم، حتى يدخل كثير من الناس بسبب هذه الآفة فى الدياثة وقلة الغيرة إذا / رأى من يهوى بعض المتصلين به أو يعاشره عِشْرَة منكرة، أو رأى له محبة أو ميلا وصبابة وعشقًا، ولو كان ولده رأف به، وظن أن هذا من رحمة الخلق، ولين الجانب بهم، ومكارم الأخلاق، وإنما ذلك دياثة ومهانة، وعدم دين وضعف إيمان، وإعانة على الإثم والعدوان، وترك للتناهى عن الفحشاء والمنكر.
وتدخل النفس به فى القيادة التى هى أعظم الدياثة، كما دخلت عجوز السوء مع قومها فى استحسان ما كانوا يتعاطونه من إتيان الذكران والمعاونة لهم على ذلك، وكانت فى الظاهر مسلمة على دين زوجها لوط، وفى الباطن منافقة على دين قومها، لا تقلى عملهم كما قلاه لوط؛ فإنه أنكره ونهاهم عنه وأبغضه، وكما فعل النسوة اللواتى بمصر مع يوسف، فإنهن أعن امرأة العزيز على ما دعته إليه من فعل الفاحشة معها؛ولهذا قال :﴿ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي
إِلَيْهِ ﴾ [ يوسف : ٣٣ ]، وذلك بعد قولهن :﴿ إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ ﴾ [ يوسف : ٣٠ ].