فقد دلت هذه الآية على النهى عن مناكحة الزانى، والمناكحة نوع خاص من المعاشرة والمزاوجة والمقارنة والمصاحبة؛ ولهذا سمى كل منهما زوجًا وصاحبًا وقرينًا وعشيرًا للآخر، والمناكحة فى أصل اللغة : المجامعة، والمضامة، فقلوبهما تجتمع إذا عقد العقد بينهما، ويصير بينهما من التعاطف والتراحم ما لم يكن قبل ذلك، حتى تثبت بذلك حرمة المصاهرة فى غير الربيبة لمجرد ذلك، والتوارث وعدة الوفاة وغير ذلك، وأوسط ذلك اجتماعهما خاليين فى مكان واحد، وهو المعاشرة المقررة للصداق، كما قضى به الخلفاء، وآخر ذلك اجتماع المباضعة، وهذا وإن اجتمع بدون عقد نكاح فهو اجتماع ضعيف، بل اجتماع القلوب أعظم من مجرد اجتماع البدنين بالسفاح.
ودل قوله :﴿ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ ﴾ على ذلك من جهة المعنى، ومن جهة اللفظ، ودل ـ أيضًا ـ على النهى عن مقارنة الفجار ومزاوجتهم، كما دل على هذا غير ذلك من النصوص؛ مثل قوله :﴿ احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ ﴾ [ الصافات : ٢٢ ]، أى : وأشباههم ونظراءهم، والزوج أعم من النكاح المعروف، قال تعالى :﴿ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاء إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَن يَشَاء الذُّكُورَ أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا ﴾ [ الشورى : ٤٩، ٥٠ ]، وقال :﴿ وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ ﴾ [ التكوير : ٧ ]، وقال :﴿ مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ ﴾ [ الحج : ٥ ]، و ﴿ كَرِيمٌ ﴾ [ الشعراء : ٧ ]، وقال :﴿ وَمِن كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ ﴾ [ الذاريات : ٤٩ ]، وقال :﴿ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ ﴾ [ الرعد : ٣ ]، وقال :﴿ وَخَلَقْنَاكُمْ أَزْوَاجًا ﴾ [ النبأ : ٨ ]، وقال :﴿ احْمِلْ فِيهَا مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ ﴾ [ هود : ٤٠ ]، وقال :﴿ إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ ﴾ [ التغابن : ١٤ ].