وأما تزيين الشيطان له الفعل فهذا داخل في كل أمر يفعله الإنسان من الخير يجد فيه محبته، فإذا أراد الإنسان أن يصاحب المؤمن، أو أراد المؤمن أن يصاحب أحدًا وقد ذكر عنه الفجور وقيل : إنه تاب منه، أو كان ذلك مقولا عنه سواء كان ذلك القول صدقا أو كذبا؛ فإنه يمتحنه بما يظهر به بره أو فجوره وصدقه أو كذبه، وكذلك إذا أراد أن يولي أحدًا ولاية امتحنه؛ كما أمر عمر بن عبد العزيز غلامه أن يمتحن ابن أبي موسي لما أعجبه سمته، فقال له : قد علمت مكاني عند أمير المؤمنين فكم تعطيني إذا أشرت عليه بولايتك ؟ / فبذل له مالا عظيما، فعلم عمر أنه ليس ممن يصلح للولاية، وكذلك في المعاملات، وكذلك الصبيان والمماليك الذين عرفوا أو قيل عنهم الفجور وأراد الرجل أن يشتريه بأنه يمتحنه، فإن المخنث كالبغي، وتوبته كتوبتها. ومعرفة أحوال الناس تارة تكون بشهادات الناس، وتارة تكون بالجرح والتعديل، وتارة تكون بالاختبار والامتحان.
فصل
وكما عظم الله الفاحشة عظم ذكرها بالباطل وهو القذف، فقال بعد ذلك :﴿ وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ ﴾ [ النور : ٤ ]، ثم ذكر رمي الرجل امرأته، وما أمر فيه من التلاعن، ثم ذكر قصة أهل الإفك، وبين ما في ذلك من الخير للمقذوف المكذوب عليه، وما فيه من الإثم للقاذف، وما يجب على المؤمنين إذا سمعوا ذلك أن يظنوا بإخوانهم من المؤمنين الخير، ويقولون : هذا إفك مبين؛ لأن دليله كذب ظاهر، ثم أخبر أنه قول بلا حجة، فقال :﴿ لَوْلَا جَاؤُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاء فَأُوْلَئِكَ عِندَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ ﴾ [ النور : ١٣ ]، ثم أخبر أنه لولا فضله عليهم ورحمته لعذبهم بما تكلموا به.