فالنظر إلى متاع الدنيا على وجه المحبة والتعظيم لها ولأهلها منهي عنه، والنظر إلى المخلوقات العلوية والسفلية على وجه التفكر والاعتبار مأمور به مندوب إليه. وأما رؤية ذلك عند الجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لدفع شر أولئك وإزالته فمأمور به، وكذلك رؤية الاعتبار شرعا في الجملة، فالعين الواحدة ينظر إليها نظرا مأمورًا به؛ إما للاعتبار، وإما لبغض ذلك والنظر إليه لبغض الجهاد منهي عنه، وكذلك الموالاة والمعاداة؛ وقد تحصل للعبد فتنة بنظر منهي عنه وهو يظن أنه نظر عبرة، وقد يؤمر بالجهاد فيظن أن ذلك نظر فتنة، كالذين قال الله تعالى فيهم :﴿ وَمِنْهُم مَّن يَقُولُ ائْذَن لِّي وَلاَ تَفْتِنِّي ﴾ الآية [ التوبة : ٤٩ ]، فإنها نزلت في الجد بن قيس لما أمره النبي صلي الله عليه وسلم أن يتجهز لغزو الروم فقال : إني مغرم بالنساء وأخاف الفتنة بنساء الروم فائذن لي في القعود، قال تعالى :﴿ أَلاَ فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُواْ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ ﴾ [ التوبة : ٤٩ ].
فهذا ونحوه مما يكون باللسان من القول، وأما ما يكون من الفعل بالجوارح، فكل عمل يتضمن محبة أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا داخل في هذا، بل يكون عذابه أشد، فإن الله قد توعد بالعذاب على مجرد محبة أن تشيع الفاحشة بالعذاب الأليم في الدنيا والآخرة، وهذه المحبة قد لا يقترن بها قول ولا فعل، فكيف إذا اقترن بها قول أو فعل ؟ بل على الإنسان أن يبغض ما أبغضه الله من فعل الفاحشة والقذف بها وإشاعتها في الذين آمنوا، ومن رضي عمل قوم حُشِرَ معهم، كما حُشِرَت امرأة لوط معهم ولم تكن تعمل فاحشة اللواط، فإن ذلك لا يقع من المرأة؛ لكنها لما رضيت فعلهم عمها العذاب معهم.


الصفحة التالية
Icon