فمن هذا الباب، قيل : من أعان على الفاحشة وإشاعتها؛ مثل القَوَّاد الذي يقود النساء والصبيان إلى الفاحشة؛ لأجل ما يحصل له من رياسة أو سحت يأكله، وكذلك أهل الصناعات التي تنفق بذلك؛ مثل المغنين، وشَرَبَة الخمر، وضمان الجهات السلطانية وغيرها، فإنهم يحبون أن تشيع الفاحشة؛ ليتمكنوا من دفع من ينكرها من المؤمنين، بخلاف ما إذا كانت قليلة خفيفة خفية، ولا خلاف بين المسلمين أن ما يدعو إلى معصية الله وينهي عن طاعته منهي عنه محرم، بخلاف عكسه فإنه واجب، كما قال تعالى :﴿ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ ﴾ [ العنكبوت : ٤٥ ]، أي : إن ما فيها من طاعة الله وذكره وامتثال أمره أكبر من ذلك.
وقال في الخمر والميسر :﴿ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللّهِ وَعَنِ الصَّلاَةِ ﴾ [ المائدة : ٩١ ]، أي : يوقعهم ذلك في معصيته التي هي العداوة والبغضاء، وهذا من أعظم المنكرات التي تنهي عنه الصلاة، والخمر تدعو إلى الفحشاء والمنكر كما هو الواقع، فإن شارب الخمر تدعوه نفسه إلى الجماع حلالا كان أو حراما، فالله ـ تعالى ـ لم يذكر الجماع؛ لأن الخمر لا تدعو إلى الحرام بعينه من الجماع، فيأتي شارب الخمر ما يمكنه من الجماع، سواء كان حلالا أو حرامًا، والسكر يزيل العقل الذي كان يميز السكران به بين الحلال والحرام، والعقل الصحيح ينهي عن مواقعة الحرام، ولهذا يكثر شارب الخمر من مواقعة الفواحش ما لا يكثر من غيرها حتي ربما يقع على ابنته وابنه ومحارمه، وقد يستغني بالحلال إذا أمكنه، ويدعو شرب الخمر إلى أكل أموال الناس بالباطل : من سرقة، ومحاربة، وغير ذلك؛ لأنه يحتاج إلى الخمر وما يستتبعه من مأكول وغيره من فواحش وغناء.


الصفحة التالية
Icon