وهذا من قلة فهمهم، وعدم تدبرهم الآية، وليس فى الآية تناقض، لا فى ظاهرها، ولا فى باطنها، لا فى لفظها ولا معناها؛ فإنه ذكر عن المنافقين، والذين فى قلوبهم مرض، الناكصين عن الجهاد، ما ذكره بقوله :﴿ أَيْنَمَا تَكُونُواْ يُدْرِككُّمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ وَإِن تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُواْ هَذِهِ مِنْ عِندِ اللّهِ وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُواْ هَذِهِ مِنْ عِندِكَ ﴾ [ النساء : ٧٨ ]، هذا يقولونه لرسول الله صلى الله عليه وسلم، أى : بسبب ما أمرتنا به من دينك، والرجوع عما كنا عليه، أصابتنا هذه السيئات؛ لأنك أمرتنا بما أوجبها. فالسيئات هى المصائب، والأعمال التى ظنوا أنها سبب المصائب هو أمرهم بها.
وقولهم :﴿ مِنْ عِندِكَ ﴾ تتناول مصائب الجهاد التى توجب الهزيمة؛ لأنه أمرهم بالجهاد، وتتناول ـ أيضا ـ مصائب الرزق على جهة التشاؤم، والتطير، أى : هذا عقوبة لنا بسبب دينك، كما كان قوم فرعون يتطيرون بموسى وبمن معه، وكما قال أهل القرية للمرسلين :﴿ إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ ﴾ [ يس : ١٨ ]، وكما قال الكفار من ثمود لصالح ولقومه :﴿ اطَّيَّرْنَا بِكَ وَبِمَن مَّعَكَ ﴾ [ النمل : ٧٤ ]، فكانوا يقولون عما يصيبهم ـ من الحرب، والزلزال والجراح والقتل، وغير ذلك مما يحصل من العدو ـ : هو منك؛ لأنك أمرتنا بالأعمال الموجبة لذلك. ويقولون عن هذا، وعن المصائب السمائية : إنها منك، أى : بسبب طاعتنا لك واتباعنا لدينك، أصابتنا هذه المصائب، كما قال تعالى :﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَن يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ﴾ [ الحج : ١١ ].
فهذا يتناول كل من جعل طاعة الرسول، وفعل ما بعث به مسبباً لشر أصابه، إما من السماء وإما من آدمى، وهؤلاء كثيرون.