لم يقولوا :﴿ هَذِهِ مِنْ عِندِكَ ﴾ بمعنى : أنك أنت الذى أحدثتها؛ فإنهم يعلمون أن الرسول ﷺ لم يحدث شيئا من ذلك، ولم يكن قولهم :﴿ مِنْ عِندِكَ ﴾ خطاباً من بعضهم لبعض، بل هو خطاب للرسول ﷺ.
ومن فهم هذا تبين له أن قوله :﴿ مَّا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ ﴾ لا يناقض قوله :﴿ كُلًّ مِّنْ عِندِ اللّهِ ﴾ بل هو محقق له؛ لأنهم ـ هم ومن أشبههم إلى يوم القيامة ـ يجعلون ما جاء به الرسول، والعمل به سبباً لما قد يصيبهم من مصائب، وكذلك من أطاعه إلى يوم القيامة.
وكانوا تارة يقدحون فيما جاء به، ويقولون : ليس هذا مما أمر اللّه به، ولو كان مما أمر اللّه به لما جرى على أهله هذا البلاء.
وتارة لا يقدحون فى الأصل، لكن يقدحون فى القضية المعينة، فيقولون : هذا بسوء تدبير الرسول، كما قال عبد الله بن أُبَيّ بن سلول يوم أُحُد ـ إذ كان رأيه مع رأى النبى ﷺ ألاّ يخرجوا من المدينة ـ فسأله ﷺ ناس ممن كان لهم رغبة فى الجهاد أن يخرج، فوافقهم، ودخل بيته ولبس لأمَتَه فلما لبس لأمته ندموا، وقالوا للنبى ﷺ : أنت أعلم، فإن شئت ألاّ نخرج، فلا نخرج فقال :( ما ينبغى لنبى إذا لبس لأمته أن ينزعها، حتى يحكم الله بينه وبين عدوه ) [ واللأمة : الدرع، وقيل : السلاح. ولأمة الحرب : أداته ] يعنى : أن الجهاد يلزم بالشروع، كما يلزم الحج، لا يجوز ترك ما شرع فيه منه إلا عند العجز بالإحصار فى الحج.
فصل
والمفسرون ذكروا فى قوله :﴿ وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُواْ هَذِهِ مِنْ عِندِكَ ﴾ [ النساء : ٧٨ ] هذا وهذا.
فعن ابن عباس، والسدى، وغيرهما : أنهم يقولون هذا تشاؤماً بدينه.