وإذا كان قد أريد : أن الطاعة والمعصية ـ مما قد قيل ـ كان قوله :﴿ كُلًّ مِّنْ عِندِ اللّهِ﴾ [ النساء : ٧٨ ] حجة عليكم ـ كما تقدم.
وقوله بعد هذا :﴿ مَّا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ ﴾ [ النساء : ٧٩ ] لا ينافى ذلك، بل ( الحسنة ) أنعم الله بها وبثوابها، و ( السيئة ) هى من نفس الإنسان ناشئة، وإن كانت بقضائه وقدره، كما قال تعالى :﴿ مٌن شّرٌَ مّا خّلّقّ ﴾ [ الفلق : ٢ ]، فمن المخلوقات ماله شر، وإن كان بقضائه وقدره.
وأنتم تقولون : الطاعة والمعصية هما من إحداث الإنسان، بدون أن يجعل الله هذا فاعلا وهذا فاعلا، وبدون أن يخص الله المؤمن بنعمة ورحمة أطاعه بها ؟ وهذا مخالف للقرآن.
فَصل
فإن قيل : إذا كانت الطاعات والمعاصى مقدرة، والنعم والمصائب مقدرة، فلم فرق بين الحسنات التى هى النعم، والسيئات التى هى المصائب ؟ فجعل هذه من الله، وهذه من نفس الإنسان ؟
قيل : لفروق بينهما :
الفرق الأول : أن نعم الله وإحسانه إلى عباده يقع ابتداء بلا سبب منهم أصلا، فهو ينعم بالعافية والرزق والنصر، وغير ذلك على من لم يعمل خيراً قط، وينشئ للجنة خلقاً يسكنهم فضول الجنة، وقد خلقهم فى الآخرة لم يعملوا خيراً، ويدخل أطفال المؤمنين ومجانينهم الجنة برحمته بلا عمل. وأما العقاب، فلا يعاقب أحداً إلا بعمله.
الفرق الثانى : أن الذى يعمل الحسنات، إذا عملها، فنفس عمله ـ الحسنات ـ هو من إحسان الله، وبفضله عليه بالهداية والإيمان، كما قال أهل الجنة :﴿ الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللّهُ ﴾ [ الأعراف : ٤٣ ].
وفى الحديث الصحيح :( يا عبادى، إنما هى أعمالكم أُحْصيها لكم ثم أوفيكم إياها، فمن وَجَد خيراً فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يَلُومَنَّ إلا نفسه ).


الصفحة التالية
Icon