فاحتالوا للفرق بين المعجزات وغيرها، بأن تجويز إتيان الكذاب بالمعجزات يستلزم تعجيز الباري ـ تعالى ـ عما به يفرق بين الصادق والكاذب، أو لأن دلالتها على الصدق معلوم بالاضطرار، كما قد بسط الكلام على ذلك في غير هذا الموضع، وبين خطأ الطائفتين، وأن هؤلاء الذين اتبعوا جَهْماً في الجبر ـ ونفوا حكمة الله ورحمته، والأسباب التى بها يفعل، وما خلقه من القوى وغيرها ـ هم مبتدعة مخالفون للكتاب والسنة وإجماع السلف، مع مخالفتهم لصريح المعقول.
كما أن القدرية النفاة مخالفون للكتاب والسنة وإجماع السلف، مع مخالفتهم لصريح المعقول.

فصل


والمقصود هنا الكلام على قوله :﴿ مَّا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ ﴾ [ النساء : ٧٩ ]، وأن هذا يقتضي أن العبد لا يزال شاكراً مستغفراً.
وقد ذكر أن الشر لا يضاف إلى الله إلا على أحد الوجوه الثلاثة. وقد تضمنت الفاتحة للأقسام الثلاثة، هو ـ سبحانه : الرحمن الذي وسعت رحمته كل شىء، وفي الصحيح عن النبى ﷺ أنه أرحم بعباده من الوالدة بولدها، وقد سبقت وغلبت رحمته غضبه، وهو الغفور الودود، الحليم الرحيم.
فإرادته أصل كل خير ونعمة، وكل خير ونعمة فمنه :﴿ وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللّهِ ﴾ [ النحل : ٥٣ ].
وقد قال سبحانه :﴿ نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ﴾ ثم قال :﴿ وَ أَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الأَلِيم ﴾ [ الحجر : ٤٩، ٥٠ ]، وقال تعالى :﴿ اعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ وَأَنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴾ [ المائدة : ٩٨ ] فالمغفرة والرحمة من صفاته المذكورة بأسمائه. فهى من موجب نفسه المقدسة، ومقتضاها ولوازمها.


الصفحة التالية
Icon