وأما العذاب، فمن مخلوقاته، الذي خلقه بحكمة، هو باعتبارها حكمة ورحمة. فالإنسان لا يأتيه الخير إلا من ربه وإحسانه وجوده، ولا يأتيه الشر إلا من نفسه، فما أصابه من حسنة فمن اللّه، وما أصابه من سيئة فمن نفسه.
وقوله :﴿ مَّا أَصَابَكَ ﴾ إما أن تكون كاف الخطاب له ﷺ ـ كما قال ابن عباس وغيره ـ وهو الأظهر؛ لقوله بعد ذلك :﴿ وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولاً ﴾ [ النساء : ٧٩ ].
وإما أن تكون لكل واحد واحد من الآدميين، كقوله :﴿ يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ ﴾ [ الانفطار : ٦ ].
لكن هذا ضعيف، فإنه لم يتقدم هنا ذكر الإنسان ولا مكانه، وإنما تقدم ذكر طائفة قالوا ما قالوه. فلو أريد ذكرهم لقيل :( ما أصابهم من حسنة فمن اللّه وما أصابهم من سيئة ).
لكن خوطب الرسول بهذا؛ لأنه سيد ولد آدم. وإذا كان هذا حكمه، كان هذا حكم غيره بطريق الأولى والأحرى، كما فى مثل قوله :﴿ اتَّقِ اللَّهَ وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ ﴾ [ الأحزاب : ١ ]، وقوله تعالى :﴿ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ ﴾ [ الزمر : ٦٥ ]، وقوله :﴿ فَإِن كُنتَ فِي شَكٍّ مِّمَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤُونَ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكَ ﴾ [ يونس : ٩٤ ].
ثم هذا الخطاب نوعان : نوع يختص لفظه به لكن يتناول غيره بطريق الأولى، كقوله :﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ ﴾ ثم قال :﴿ قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمًْ ﴾ [ التحريم : ١، ٢ ].
ونوع قد يكون خطابه خطابا به لجميع الناس، كما يقول كثير من المفسرين : الخطاب له والمراد غيره.


الصفحة التالية
Icon