وليس المعنى : أنه لم يخاطب بذلك، بل هو المقدم. فالخطاب له خطاب لجميع الجنس البشري. وإن كان هو لا يقع منه ما نهى عنه، ولا يترك ما أمر به، بل هذا يقع من غيره، كما يقول ولي الأمر للأمير : سافر غداً إلى المكان الفلاني، أي أنت ومن معك من العسكر. وكما ينهى أعز من عنده عن شيء، فيكون نهياً لمن دونه، وهذا معروف من الخطاب.
فقوله :﴿ مَّا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ ﴾ الخطاب له صلى الله عليه وسلم، وجميع الخلق داخلون فى هذا الخطاب بالعموم، وبطريق الأولى، بخلاف قوله :﴿ وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولاً ﴾ [ النساء : ٧٩ ]، فإن هذا له خاصة. ولكن من يبلغ عنه يدخل فى معنى الخطاب، كما قال ﷺ :( بَلِّغوا عني ولو آية )، وقال :( نَضَّر اللّه امرأ سمع منا حديثاً فبلغه إلى من لم يسمعه )، وقال :( ليبلغ الشاهد الغائب )، وقال :( إن العلماء ورثة الأنبياء )، وقد قال تعالى فى القرآن :﴿ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لأُنذِرَكُم بِهِ وَمَن بَلَغَ ﴾ [ الأنعام : ١٩ ].
والمقصود هنا أن الحسنة مضافة إليه ـ سبحانه ـ من كل وجه، والسيئة مضافة إليه لأنه خلقها، كما خلق الحسنة فلهذا قال :﴿ كُلًّ مِّنْ عِندِ اللّهِ ﴾. ثم إنه إنما خلقها لحكمة، ولا تضاف إليه من جهة أنها سيئة، بل تضاف إلى النفس التى تفعل الشر بها لا لحكمة، فتستحق أن يضاف الشر والسيئة إليها، فإنها لا تقصد بما تفعله من الذنوب خيراً يكون فعله لأجله أرجح، بل ما كان هكذا فهو من باب الحسنات؛ ولهذا كان فعل اللّه حسناً، لا يفعل قبيحاً ولا سيئاً قط.