وقد دخل فى هذا سيئات الجزاء والعمل؛ لأن المراد بقوله :﴿ مَّا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ ﴾ و ﴿ مِن سَيِّئَةٍ ﴾ النعم والمصائب ـ كما تقدم ـ لكن إذا كانت المصيبة من نفسه ـ لأنه أذنب ـ فالذنب من نفسه بطريق الأولى، فالسيئات من نفسه بلا ريب، وإنما جعلها منه مع الحسنة بقوله :﴿ كُلًّ مِّنْ عِندِ اللّهِ ﴾ كما تقدم؛ لأنها لا تضاف إلى اللّه مفردة، بل إما فى العموم، كقوله :﴿ كُلًّ مِّنْ عِندِ اللّهِ ﴾.
وكذلك الأسماء التى فيها ذكر الشر، لا تذكر إلا مقرونة، كقولنا :( الضار النافع، المعطى المانع، المعز المذل ) أو مقيدة، كقوله :﴿ إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنتَقِمُونَ ﴾ [ السجدة : ٢٢ ].
وكل ما خلقه ـ مما فيه شر جزئي إضافى ـ ففيه من الخير العام والحكمة والرحمة أضعاف ذلك، مثل إرسال موسى إلى فرعون، فإنه حصل به التكذيب والهلاك لفرعون وقومه، وذلك شر بالإضافة إليهم، لكن حصل به ـ من النفع العام للخلق إلى يوم القيامة، والاعتبار بقصة فرعون ـ ما هو خير عام، فانتفع بذلك أضعاف أضعاف من استضر به، كما قال تعالى :﴿ فَلَمَّا آسَفُونَا انتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفًا وَمَثَلًا لِلْآخِرِينَ ﴾ [ الزخرف : ٥٥ ] وقال تعالى ـ بعد ذكر قصته :﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِّمَن يَخْشَى ﴾ [ النازعات : ٢٦ ].
وكذلك محمد صلى الله عليه وسلم، شقى برسالته طائفة من مشركي العرب وكفار أهل الكتاب، وهم الذين كذبوه، وأهلكهم اللّه تعالى بسببه، ولكن سعد بها أضعاف أضعاف هؤلاء.
ولذلك من شقى به من أهل الكتاب كانوا مبدلين محرفين قبل أن يبعث اللّه محمداً ﷺ فأهلك اللّّه بالجهاد طائفة، واهتدى به من أهل الكتاب أضعاف أضعاف أولئك.