والذين أذلهم الله من أهل الكتاب بالقهر والصَّغَار [ أى : الذل والهوان ]، أو من المشركين الذين أحدث فيهم الصغار، فهؤلاء كان قهرهم رحمة لهم؛ لئلا يعظم كفرهم، ويكثر شرهم.
ثم بعدهم حصل من الهدى والرحمة لغيرهم ما لا يحصيهم إلا اللّه، وهم دائماً يهتدى منهم ناس من بعد ناس ببركة ظهور دينه بالحجة واليد.
فالمصلحة بإرساله وإعزازه، وإظهار دينه، فيها من الرحمة التى حصلت بذلك ما لا نسبة لها إلى ما حصل بذلك لبعض الناس من شر جزئي إضافى، لما فى ذلك من الخير والحكمة أيضا؛ إذ ليس فيما خلقه الله ـ سبحانه ـ شر محض أصلا، بل هو شر بالإضافة.
فصل
الفرق الخامس : أن ما يحصل للإنسان من الحسنات التى يعملها كلها أمور وجودية، أنعم اللّه بها عليه، وحصلت بمشيئة اللّه ورحمته وحكمته وقدرته وخلقه، ليس فى الحسنات أمر عدمي غير مضاف إلى اللّه، بل كلها أمر وجودي، وكل موجود وحادث فاللّه هو الذى يحدثه.
وذلك أن الحسنات إما فعل مأمور به، أو ترك منهى عنه، والترك أمر وجودي. فترك الإنسان لما نهى عنه، ومعرفته بأنه ذنب قبيح، وبأنه سبب للعذاب، وبغضه وكراهته له، ومنع نفسه منه إذا هويته، واشتهته، وطلبته كل هذه أمور وجودية، كما أن معرفته بأن الحسنات - كالعدل والصدق ـ حسنة، وفعله لها أمور وجودية.