وقوله تعالى :﴿ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء ﴾ يقتضي أن كل من خشى اللّه فهو عالم؛ فإنه لا يخشاه إلا عالم.
ويقتضي ـ أيضاً ـ أن العالم من يخشى اللّه ـ كما قال السلف.
قال ابن مسعود : كفى بخشية اللّه علماً، وكفى بالاغترار جهلا.
ومثل هذا الحصر يكون من الطرفين، حصر الأول في الثانى، وهو مطرد، وحصر الثانى فى الأول نحو قوله :﴿ إِنَّمَا تُنذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَن بِالْغَيْبِ ﴾ [ يس : ١١ ]، وقوله :﴿ إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرُ مَن يَخْشَاهَا ﴾ [ النازعات : ٤٥ ]، وقوله :﴿ إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ ﴾ [ السجدة : ١٥، ١٦ ].
وذلك أنه أثبت الخشية للعلماء، ونفاها عن غيرهم، وهذا كالاستثناء؛ فإنه من النفي إثبات، عند جمهور العلماء، كقولنا :( لا إله إلا الله )، وقوله تعالى :﴿ وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى ﴾ [ الأنبياء : ٨٢ ]، وقوله :﴿ وَلَا تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ عِندَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَه ﴾ [ سبأ : ٢٣ ]، وقوله :﴿ وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا ﴾ [ الفرقان : ٣٣ ].
وقد ذهب طائفة إلى أن المستثنى مسكوت عنه، لم يثبت له ما ذكر، ولم ينف عنه.
وهؤلاء يقولون ذلك فى صيغة الحصر بطريق الأولى، فيقولون : نفي الخشية عن غير العلماء، ولم يثبتها لهم.