والثاني : أنه وحده لا ينفع؛ فإنه قد حصل لجميع الكفار الذين استمعوا القرآن وكفروا به كما تقدم، بخلاف إسماع الفقه، فإن ذلك هو الذى يعطيه الله لمن فيه خير، وهذا نظير ما في الصحيحين عن النبى ﷺ أنه قال :( من يُرِدِ الله به خيرًا يُفَقِّهْه في الدين ) وهذه الآية والحديث يدلان على أن من لم يحصل له السماع الذى يفقه معه القول، فإن الله لم يعلم فيه خيرًا ولم يرد به خيرًا، وأن من علم الله فيه خيرًا أو أراد به خيرًا فلا بد أن يسمعه ويفقهه؛ إذ الحديث قد بيَّن أن كل من يرد الله به خيرًا يفقهه؛ فالأول مستلزم للثانى، والصيغة عامة، فمن لم يفقهه لم يكن داخلًا في العموم، فلا يكون الله / أراد به خيرًا، وقد انتفي في حقه اللازم فينتفي الملزوم.
وكذلك قوله :﴿ وَلَوْ عَلِمَ اللّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَّأسْمَعَهُمْ ﴾، بيَّن أن الأول شرط للثانى؛شرطًا نحْويًا، وهو ملزوم وسبب، فيقتضى أن كل من علم الله فيه خيرًا أسمعه هذا الإسماع، فمن لم يسمعه إياه لم يكن قد علم فيه خيرًا، فتدبر كيف وجب هذا السماع، وهذا الفقه، وهذا حال المؤمنين، بخلاف الذين يقولون بسماع لا فقه معه، أو فقه لا سماع معه أعنى هذا السماع.


الصفحة التالية
Icon