ومن ذلك توبة قاتل النفس. والجمهور على أنها مقبولة. وقال ابن عباس : لا تقبل. وعن أحمد روايتان. وحديث قاتل التسعة والتسعين في الصحيحين دليل على قبول توبته، وهذه الآية تدل على ذلك. وآية النساء إنما فيها وعيد في القرآن كقوله :﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا ﴾ [ النساء : ١٠ ]، ومع هذا فهذا إذا لم يتب. وكل وعيد في القرآن فهو مشروط بعدم التوبة باتفاق الناس، فبأى وجه يكون وعيد القاتل لاحقًا به وإن تاب ؟ هذا في غاية الضعف، ولكن قد يقال : لا تقبل توبته بمعنى أنه لا يسقط حق المظلوم بالقتل، بل التوبة تسقط حق الله، والمقتول مُطَالِبُه بحقه، وهذا صحيح في جميع حقوق الآدميين حتى الديْن، فإن في الصحيحين عن النبى / ﷺ ؛ أنه قال :( الشهيد يغفر له كل شىء إلا الديْن ) لكن حق الآدمى يُعْطَاه من حسنات القاتل.
فمن تمام التوبة، أن يستكثر من الحسنات حتى يكون له ما يقابل حق المقتول، ولعل ابن عباس رأى أن القتل أعظم الذنوب بعد الكفر، فلا يكون لصاحبه حسنات تُقَابِل حق المقتول، فلابد أن يبقى له سيئات يعذب بها، وهذا الذى قاله قد يقع من بعض الناس، فيبقى الكلام فيمن تاب وأخلص، وعجز عن حسنات تعادل حق المظلوم، هل يجعل عليه من سىئات المقتول ما يعذب به ؟ وهذا موضع دقيق، على مثله يُحْمَلُ حديث ابن عباس، لكن هذا كله لا ينافي مُوجِب الآية، وهو أن الله تعالى يغفر كل ذنب؛ الشرك، والقتل، والزنا، وغير ذلك من حيث الجملة، فهى عامة في الأفعال مطلقة في الأشخاص.
ومثل هذا قوله :﴿ فَاقْتُلُواْ الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ ﴾ [ التوبة : ٥ ]، عام في الأشخاص مطلق في أحوال... الأرْجُل؛ إذ قد تكون مستورة بالخف واللفظ لم يتعرض إلى الأحوال.


الصفحة التالية
Icon