سورة الشورى
وقال الشيخ ـ رحمه الله :
قد كتبْتُ بعض ما يتعلق بقوله تعالى :﴿ وَمَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ﴾ إلي قوله :﴿ وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ ﴾ [ الشورى : ٣٦ - ٤٣ ]، فمدَحَهم على الانتصار تارة وعلى الصبر أخرى.
والمقصود هنا أن الله لما حَمَدَهم على هذه الصفات؛ من الإيمان والتوكل، ومجانبة الكبائر، والاستجابة لربهم، وإقام الصلاة، والاشتوار في أمرهم، وانتصارهم إذا أصابهم البغي، والعفو والصبر، ونحو ذلك ـ كان هذا دليلًا على أن ضد هذه الصفات ليس محمودًا، بل مذمومًا، فإن هذه الصفات مستلزمة لعدم ضدها؛ فلو كان ضدها محمودًا لكان عدم المحمود محمودًا، وعدم المحمود لا يكون محمودًا إلا أن يخلفه ما هو محمود؛ ولأن حمدها والثناء عليها طلب لها وأمر بها، ولو أنه أمر استحباب، والأمر بالشيء نهي عن ضده قصدًا أو لزوما، وضد الانتصار العجز، وضد الصبر الجَزَع؛ فلا خير في العجز ولا في الجَزَع كما نجده في حال كثير من الناس، حتي بعض المتدينين إذا ظلموا أو / أرادوا منكرًا فلا هم ينتصرون ولا يصبرون؛ بل يعجزون ويجزعون.
وفي سنن أبي داود، من رواية عوف بن مالك : أن رجلين تحاكما إلى النبي ﷺ فقال المقضي عليه : حسبي الله ونعم الوكيل. فقال النبي ﷺ :( إن الله يلوم على العجز، ولكن عليك بالكيس، فإذا غلبك أمر فقل : حسبي الله ونعم الوكيل ). وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة عن النبي ﷺ أنه قال :( المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كُلٍّ خير، احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز، وإن غلبك أمر فلا تقل : لو أني فعلت لكان كذا وكذا، ولكن قل : قدر الله وما شاء فعل، فإن لو تفتح عمل الشيطان ). لا تعجز عن مأمور ولا تجزع من مقدور.
ومن الناس من يجمع كلا الشرين؛ فَأَمَر النبي ﷺ بالحرص على النافع والاستعانة بالله، والأمر يقتضي الوجوب، وإلا فالاستحباب. ونَهَي عن العجز، وقال :( إن الله يلوم على العجز )، والعاجز ضد الذين هم ينتصرون، والأمر بالصبر والنهي عن الجزع معلوم في مواضع كثيرة.