سورة الأحقَاف
سأل رجل آخر عن قوله تعالى :﴿ وَمِن قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَامًا وَرَحْمَةً ﴾ [ الأحقاف : ١٢ ]، فقال : ما سمعنا ـ بنص القرآن والحديث ـ أن ما قبل كتابنا إلا الإنجيل، فقال الآخر : عيسي إنما كان تبعًا لموسي، والإنجيل إنما فيه توسع في الأحكام، وتيسير مما في التوراة، فأنكر عليه رجل وقال : كان لعيسي شرع غير شرع موسي، واحتج بقوله :﴿ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا ﴾ [ المائدة : ٤٨ ]، قال : فما الحكم في قوله :﴿ وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ ﴾ [ الصف : ٦ ] ؟ فقال : ليست هذه حُجَّة.
فأجاب شيخ الإسلام ـ رحمه الله :
قد أخبر الله في القرآن أن عيسي قال لهم :﴿ وَلِأُحِلَّ لَكُم بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ ﴾ [ آل عمران : ٥٠ ]، فَعُلِمَ أنه أحل البعض دون الجميع، وأخبر عن المسيح أنه عَلَّمَه التوراة والإنجيل بقوله :﴿ وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ ﴾ [ آل عمران : ٤٨ ].
ومن المعلوم أنه لولا أنه مُتَّبِعٌ لبعض ما في التوراة لم يكن تَعَلُّمُها / له منة، ألا تري أنا نحن لم نؤمر بحفظ التوراة والإنجيل، وإن كان كثيرا من شرائع الكتابين يوافق شريعة القرآن، فهذا وغيره يبين ما ذكره علماء المسلمين من أن الإنجيل ليس فيه إلا أحكام قليلة، وأكثر الأحكام يتَّبِعُ فيها ما في التوراة؛وبهذا يحصل التغاير بين الشرعتين.
ولهذا كان النصارى متفقين على حفظ التوراة وتلاوتها، كما يحفظون الإنجيل؛ ولهذا لما سمع النجاشي القرآن، قال : إن هذا والذي جاء به موسي ليخرج من مشكاة واحدة، وكذلك ورقة بن نوفل، قال للنبي ﷺ ـ لما ذكر له النبي ﷺ ما يأتيه قال ـ : هذا هو الناموس الذي كان يأتي موسي.
وكذلك قالت الجن :﴿ إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنزِلَ مِن بَعْدِ مُوسَى ﴾ [ الأحقاف : ٣٠ ]، وقال تعالى :﴿ فَلَمَّا جَاءهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِندِنَا قَالُوا لَوْلَا أُوتِيَ مِثْلَ مَا أُوتِيَ مُوسَى أَوَلَمْ يَكْفُرُوا بِمَا أُوتِيَ مُوسَى مِن قَبْلُ قَالُوا سِحْرَانِ تَظَاهَرَا ﴾ [ القصص : ٤٨ ] أي : موسي ومحمد، وفي القراءة الأخرى :﴿ سِحْرَانِ تَظَاهَرَا ﴾ أي : التوراة والقرآن.


الصفحة التالية
Icon