والآية تنفي الإدراك مطلقًا دون الرؤية كما قال ابن كلاب، / وهذا أصح. وحينئذ، فتكون الآية دالة على إثبات الرؤية، وهو أنه يرَي ولا يدْرَك، فيري من غير إحاطة ولا حصر، وبهذا يحصل المدح، فإنه وصف لعظمته أنه لا تدركه أبصار العباد وإن رأته، وهو يدرك أبصارهم. قال ابن عباس ـ وعكرمة بحضرته ـ لمن عارض بهذه الآية :( ألست تري السماء ؟ )، قال :( بلي )، قال :( أفكلها تري ؟ ).
وكذلك قال :﴿ وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاء ﴾ [ البقرة : ٢٥٥ ]، وهؤلاء يقولون : علمه شيء واحد لا يمكن أن يحاط بشيء منه دون شيء، فقالوا : ولا يحيطون بشيء من معلومه. وليس الأمر كذلك، بل نفس العلم جنس يحيطون منه بما شاء، وسائره لا يحيطون به.
وقال :﴿ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا ﴾ [ طه : ١١٠ ]، والراجح من القولين أن الضمير عائد إلى :﴿ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ ﴾، وإذا لم يحيطوا بهذا علمًا، وهو بعض مخلوقات الرب، فإن لا يحيطوا علما بالخالق أولي وأحري. قال تعالى :﴿ وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ ﴾ [ المدثر : ١٣ ]، وقال :﴿ أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِن بَعْدِهِمْ لاَ يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ اللّهُ جَاءتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَرَدُّواْ أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ ﴾ الآية [ إبراهيم : ٩ ].