فإذا قيل :﴿ لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ ﴾ [ الأنعام : ١٠٣ ]، أي : لا تحيط به، دل على أنه / يوصف بنفي الإحاطة به مع إثبات الرؤية. وهذا ممتنع على قول هؤلاء، فإن هذا إنما يكون بزعمهم فيما ينقسم، فيري بعضه من بعض، فتكون هناك رؤية بلا إدراك وإحاطة، وعندهم : لا يتصور أن يري إلا رؤية واحدة متماثلة، كما يقولونه في كلامه : إنه شيء واحد لا يتبعض ولا يتعدد. وفي الإيمان به : إنه شيء واحد لا يقبل الزيادة والنقصان.
وأما الإدراك والإحاطة الزائد على مطلق الرؤية، فليس انتفاؤه لعظمة الرب عندهم، بل لأن ذاته لا تقبل ذاك كما قالت المعتزلة : إنها لا تقبل الرؤية.
وأيضًا، فهم والمعتزلة لا يريدون أن يجعلوا للإبصار إدراكًا غير الرؤية، سواء أثبتت الرؤية أو نفيت، فإن هذا يبطل قول المعتزلة بنفي الرؤية، ويبطل قول هؤلاء بإثبات رؤية بلا معاينة ومواجهة.
فَصْل
هذا، مع أن ابن فُورَك هو ممن يثبت الصفات الخبرية كالوجه واليدين، وكذلك المجيء والإتيان، موافقةً لأبي الحسن، فإن هذا قوله، وقول متقدمي أصحابه.
فقال ابن فُوَرك ـ فيما صنف في أصول الدين : فإن سألت الجهمية عن الدلالة على أن القديم سميع بصير، قيل لهم : قد اتفقنا على أنه حي تستحيل عليه الآفات، والحي إذا لم يكن مأووفًا بآفات تمنعه من إدراك المسموعات والمبصرات كان سميعًا بصيرًا.


الصفحة التالية
Icon