وإن سألت فقلت : أين هو ؟، فجوابنا : إنه في السماء، كما أخبر في التنزيل عن نفسه بذلك، فقال عز من قائل :﴿ أَأَمِنتُم مَّن فِي السَّمَاء ﴾ [ الملك : ١٦ ]، وإشارة المسلمين بأيديهم عند الدعاء في رفعها إليه. وأنك لو سألت صغيرهم وكبيرهم فقلت : أين اللّه ؟ لقالوا : إنه في السماء، ولم ينكروا لفظ السؤال بـ [ أين ] ؛ لأن النبي ﷺ سأل الجارية التي عرضت للعتق فقال :( أين الله ؟ )، فقالت : في السماء مشيرة بها. فقال النبي ﷺ :( اعتقها، فإنها مؤمنة ). ولو كان ذلك قولا منكرًا لم يحكم بإيمانها، ولأنكره عليها. ومعني ذلك أنه فوق السماء؛ لأن [ في ] : بمعني فوق، قال اللّه تعالى :﴿ فَسِيحُواْ فِي الأَرْضِ ﴾ [ التوبة : ٢ ]، أي : فوقها.
قال : وإن سألت :[ كيف هو ؟ ]، قلنا له :[ كيف ] سؤال عن صفته ـ وهو ذو الصفات العلى ـ هو العالِم الذي له العلم، والقادر / الذي له القدرة، والحي الذي له الحياة، الذي لم يزل منفردًا بهذه الصفات لا يشْبه شيئًا، ولا يشبهه شيء.
قلت : فهذا الكلام هو موافق لما ذكره الأشعري [ هو أبو الحسن على بن إسماعيل بن إسحاق، من نسل الصحابي أبو موسي الأشعري توفي عام ٤٢٣هـ، وكان مولده سنة ٠٧٢هـ ] في كتاب [ الإبانة ]، ولما ذكره ابن كلاب كما حكاه عنه ابن فورك، لكن ابن كلاب يقول : إن العلو والمباينة من الصفات العقلية، وأما هؤلاء فيقولون : كونه في السماء صفة خبرية كالمجيء والإتيان، ويطلقون القول بأنه بذاته فوق العرش، وذلك صفة ذاتية عندهم.